الأربعاء، 2 يناير 2013

من يوميات محام ...الحلقة الاولى : ياااااااا نهاااااار أسود !!!!!!!!!

الاربعاء 2 يناير 2013

من يوميات محام
 
مقدمة:
هذه بعض من حكايات محام خاصة بأغرب ما مر به فى مهنة المحاماة...اسوقها اليكم حقيقية كما حدثت ...فقط بدون ذكر اصحابها تحديدا.....قد يشوبها التطويل وبعض التفاصيل القضائية لزوم ايضاح الجو المهنى الجديد عليكم فاغفروه لى ......و اذا راقت لكم سنستكمل حلقاتها او لنكف عنها تماما....
رأيت ان تكون اول حلقاتها هى اول مرة لى ادخل فيها المحكمة ..كان هذا فى اواخر عام 1993 ...
........................................................................
الحلقة الاولى : ياااااااا نهاااااار أسود !!!!!!!!!

بكرة الصبح عندك الجناية دى ياعلاء ..
كانت هذه جملة استاذى الذى التحقت بمكتبه منذ اسبوعين فقط للتدريب لديه بعد قيدى بجدول المحامين تحت التمرين ...
فاجأتنى الجملة ...شعرت بارتباك ..الملف الكبير بين يديه يبدو مرعبا ...لم ادخل الى اى محكمة من قبل ....لم اعرف ألف باء المحاماة العملية بعد ...لم يخبرنى خلال الايام الماضية كيف يكون المحامى فى المحكمة ..ولا كيف يترافع ولا كيف يطالع ملف قضية بالاساس ..
تناولت منه الملف صامتا ...قال معقبا ..احنا هانحضر عن اتنين من المتهمين ..دى جناية سرقة وحريق لمدرسة خاصة ..
المتهمة واخوها هتلاقيهم جايين المحكمة بكرة الصبح لانهم خرجوا من الحبس بكفالة ..
تخيلت انه سيذكر لى كونه سيلحق بى فى الغد الا انه قال ..
انا عندى بكرة جنحة قتل خطأ فى العاشر من رمضان ..
ربنا معاك ..
كانت الساعة الحادية عشرة ليلا ...حملت الملف عائدا الى منزلى وقلبى يرجف...لم اتناول عشائى ظللت فى حجرتى ارتب اوراق الملف والتحقيقات العديدة من الشرطة والنيابة واقوال المبلغين و المتهمين والشهود وكذا تقارير المعمل الجنائى ..بلغت اوراق الملف قرابة المائتين !!!!
..قلت لنفسى سأعتبر الموضوع كقصة بوليسية مثل تلك التى اعتدت قراءتها..
ظللت اطالع الاوراق وألخص ما اقرأه فى اوراق اخرى ...الوقت يمر ....الجوع يقرصنى .....اتابع القراءة .....يادى اللليلة المنيلة ...الملف كبير والخط زى الهباب ....كمان التصوير سىء جدا ..كتير من الصفحات مش باين .....قاربت على الفجر........النعاس يغالب جفونى ....اغفو ......اهب فزعا والاوراق فى يدى ....يادى المصيبة السودة ...كمان شوية الصبح هاترافع فى جناية ولسة ماخلصتش قراية ملفها ...كنت واقف فين ...آه.... ايه الفقرة دى ...علاقتها ايه باللى فات ..... اعود من جديد اراجع الصفحات لاربط بين بعضها البعض ...مازال الباقى كثيرا ....الساعة السابعة صباحا ....لم انته من الملف .....اشعر بهبوط وضعف شديدين ....بعد طقوس الصباح المعتادة خرجت الى المحكمة مبكرا..
توجهت الى حجرة المحامين ...لا احد غير الساعى ...طلبت كوبا كبيرا من القهوة رغم انى لا احبها املا فى اليقظة ....انكببت على باقى اوراق الملف اطالعه ...
صار عندى ما يقارب الاربعين ورقة من تلخيصاتى للملف ..
اشعر اننى افضل الان ..
مر الوقت فتوجهت الى قاعة المحكمة انتظر قدوم الموكلين المتهمين فى القضية ...
لم ارهما من قبل ...صرت اسأل كل من يدخل القاعة ...اخيرأ امرأة ورجل وبصحبتهما عدد من الناس ...اقتربت من المرأة
صباح الخير ...حضرتك مدام ..........
نظرت لى بامتعاض ....انت مين يابنى ....
لم تكن كبيرة فى السن لتنادينى بابنى فهى لم تتجازو الخامسة والثلاثين ...لكنننى انا من يبدو صغيرا شكلا ...كان عمرى وقتها خمسة وعشرين سنة ...بلا شارب او لحية ...حاجة كده سبنوسى على بيبى فيس زى ما بيقولوا ...
ببراءة الاطفال قدمت اليها نفسى وقلت ..انا اللى هاحضر معاكى انت واخوكى الجلسة ...
نظرت عاقدة مابين حاجبيها فى وجهى ثم سألتنى ضاغطة على اسنانها عن استاذى اين هو ...وبكل براءة ايضا اجبتها ..
عنده جنحة فى العاشر من رمضان ..
ياااااااااااااااا نهاااااااااااااااااااار اسوااااااااااااااااد !!!
كانت هذه الصرخة المرعبة الطويلة التى رجت المحكمة صباحا فلمت الناس واللى جابو الناس علينا كرد فعلها منها على جملتى الاخيرة ...ثم اعقبتها بصراخها قائلة :
يعنى استاذك بسلامته سايب الجناية ليك ورايح يحضر الجنحة ..
الله يخرب بيوتكو على الصبح ..
صارت الهمهمات من حولنا والكلمات تتطاير من كل حدب وصوب
شعرت كالكتكوت الذى سقط فى جردل الماء فى عز البرد ..
حاولت ان امتص ثورتها لتكف عن الصياح ..كان شقيقها يقف صامتا فى حين من كانوا معها يتبرمون ويطلقون الفاظ السباب..
...طيب ممكن تهدى نفسك شوية علشان فى حاجات عاوز اسألك عنها لو سمحتى ...
قلت لها هذا فاعادت الصياح مجددا ...
اسكت يابنى انت وابعد عنى الساعادى احسن لك ... على العموم انا ليا شغلى مع استاذك بعدين .....انا برضو موكلة تلاتة من المستشارين هايجوا دلوقتى ...ابقى اتعلم منهم المرافعة والكلام قدام القاضى ...
رغم هذا الدش القاسى سعد قلبى ....الحمد لله في مستشارين معاها يتحملوا همّ المسئولية احسن ماكون لوحدى ...
حدثت نفسى وانا ابتعد لاجلس فى الصف الاول امام المنصة فى انتظار انعقاد الجلسة ...اخرجت من حقيبتى الروب الخاص بى الذى اشتريته منذ اليوم الاول لقيدى بالنقابة ...ارتديته وكأننى احتمى داخله...
كنت اشعر بنظرات الجميع كأنها خناجر تنغرس فى كل جسدى ...
كان رولنا هو الاول ........ دخلت الموكلة وشقيقها الى القفص الحديدى وبعد فترة صاح الحاجب...
محكمة ...!!!
دخلت هيئة المحكمة فزادت ضربات قلبى بعنف ...كأننى اشاهد فيلما مرعبا ...اشعر ببرودة فى كفى ....بل اشعر بجوع قاتل ...
لا لا...بل اشعر اننى اريد التوجه فورا الى الحمام !!!!
قال سكرتير الجلسة للمستشار رول واحد غايب يافندم ...
يانهار ابوك مش فايت ...دنا اول واحد دخل المحكمة النهاردة !!!
وقفت منتصبا .....انا حاضر يافندم فى رول واحد ...
انطلقت صرخة الموكلة من داخل القفص ...سكتوا الجدع ده..!!!!
كانت تولول كسرينة المطافى ....معلهش ياسعادة الريس ... ...المحامين بتوعى ماجوش ....انا بطلب التأجيل ...
لم يحضر التلات مستشارين اذا ....يادى الوقعة المهببة ..!!
نظر سكرتير الجلسة لى بحنق ..وهمس : انت ماسجلتش حضورك عندى يا استاذ ...
لم اكن اعرف ان فى الجنايات يتم قبل انعقاد الجلسة تسجيل الحضور وكتابة طلبات الدفاع لدى السكرتير !!!!!
نظر الان المستشار رئيس الجلسة الى المتهمة وطلب منها الصمت ثم نظر لى مليا وقال ..
انت حاضر مع مين يا استاذ...؟؟؟
قلت مع المتهمة الاولى والمتهم الثانى يافندم ..
اعاد التدقيق فى وجهى هو وباقى اعضاء هيئة المحكمة ثم سألنى
انت مقيد باى جدول يا استاذ ..؟
طبعا استصغر شكلى قدامه ...
سمعت المحامى الذى ورائى يهمس لى ...قوله ابتدائى قديم ..
الانظار كلها تتجه لى والصمت يخيم على القاعة مع كتم ضحكات السخرية ....قلت متلعثما ....ايوة يافندم ...
ومن جديد قال المستشار ...فين كارنيهاك يابنى ...
كدت اخرج لك الكارنيه بكل براءة ...سارع نفس المحامى خلفى ليهمس لى قوله انك سايبه فى اوضة المحامين علشان مأجر بيه الروب ...
وهكذا رددت ببساطة ...ضرب المستشار كفا بكف تعجبا وهو يقول ..يابنى ياعنى شكلك صغير مش ابتدائى ولا حاجة وكمان ممعكش كارنيه وشاحت روب وجاى قدامى تترافع فى جناية عن اتنين متهمين النيابة بتطالب بالمؤبد ليهم ....عايزنى اقبل حضورك ازاى ..؟؟
سارت الهمهمة فى القاعة ....دش متلج جديد ينهمر على جسدى
....بدأ التوتر والخوف يغادراننى ويحل بدلا منهما التذمر والتحدى...
صارت نبرة صوتى اكثر ثقة وغلاً وانا اقول للمستشار..
قلت لسيادتك اننى محامى وحاضر مع المتهمين فى هذا الرول يا سعت الريس ..
كادت المتهمة تصرخ من داخل القفص فنهرها المستشار وقال لى ...
يابنى طيب حد يقول انك محامى فعلا ...
هنا هب المحامى الذى كان يهمس من ورائى قائلا ...ايوة يافندم ...ده محامى وقديم كمان وحضر قدامى فى اكتر من قضية ..
تعجبت من الرجل ...سأله المستشار ..مين حضرتك يا استاذ ؟؟
اجابه انا محامى المدعى بالحق المدنى فى الجناية نفسها ياريس
....هز المستشار راسه وهو يقول يعنى شهد شاهد من اعدائها ..
خلاص يا استاذ ...اهو خصمك شهد لك اهو ...اثبت حضور الاستاذ فى الرول بتاعه ...
قال الجملة الاخيرة لسكرتير الجلسة ...
تحدث وكيل النائب العام طالبا تطبيق مواد الاتهام وتحدث المحامى الخاص بالمدعى المدنى ( من شهد لصالحى ) مؤيدا قرار الاتهام ومطالبا بالتعويض ...ثم حان دورى انا .....
وهكذا صمتت القاعة فى انتظار مرافعتى ...
بدأت من واقع ما لخصته فى اوراقى اسرد الوقائع مع ذكر ملاحظاتى فى وجود التناقضات او عدم المنطقية او تجريح فى اقوال المبلغين وكذا شهادة الشهود وعدم كفاية ادلة الاتهام ....الصمت تاااااااااام يلف القاعة وصوتى يكتسب الثقة اكثر فيصير قويا مفعما بالاقناع ...وبين الحين والحين يستوقفنى المستشار باشارة من يده ليتابع ما كنت اذكره فى الاوراق ثم يميل الى احد عضويه بالهمس ثم يطلب منى الاستمرار...
استمرت مرافعتى نصف ساعة كاملة ...حتى انهيت كل ما فى جعبتى من اوجه دفاع لاختتم طالبا براءة المتهمين مما هو منسوب اليهما ...
الحكم أخر الجلسة ....هكذا نطق المستشار ...
لم يكن فى الرول بعدنا الا خمسة قضايا ثلاثة منها لم يحضر فيهم المتهمين فانتهت المحكمة سريعا لترفع الجلسة وتغادر الهيئة القاعة ..ومن هنا انطلقت الاصوات كطنين خلية النحل تنهال عليّ تهنئنى وتسلم عليّ قائلة ...قاعة الجنايات كسبت النهاردة استاذ جديد .... الف مبروك يااستاذ ...لو حد غيرك بعد اللى سامعه ماكنش عرف ينطق حرف واحد ......
اقبل عليّ محامى المدعى بالحق المدنى مبتسما فى غيظ وحنق
وقال ...ماتنساش ان انا السبب فى اثبات حضورك النهاردة ..
ابتسمت صامتا فاذا بمحامى اخر يقول له ..
كنت عاوز تدبسه فى الحضور علشان تكسب انت الجناية ..اهو طربقها على دماغك ...
اتانى صوت موكلتنا صائحا من داخل القفص ..تنادى باسمى...توجهت لها ....
مددت يدى لامسك باحد قضبان القفص فاذا بها تمسك بيدى لتجذبها اليها فتغمرها بالقبلات والاعتذارات ....خجلت مرتبكا وانا اردد ...
لسة الحكم ماصدرش ....استنى شوية ...
قالت ....والله لو كان الحكم زى مايكون ..مايهمنيش.....انت عملت كل حاجة فى القضية يا استاذ علاء ....انا بتأسف ليك الف مرة ..
مكفئتك عندى بعدين ...!!!!!
...مرت ثلاثة ساعات لتخرج علينا هيئة المحكمة من جديد لتنطق بالاحكام ...
الصمت من جديد عدا دقات قلبى التى ظننت ان المستشار يسمعها من مكانه ....رول واحد ....قلبى يكاد يتوقف ...براءة المتهمين مما هو منسوب اليهما ورفض الدعوى المدنية والزام رافعها بالمصاريف والاتعاب .....
انطلقت الزغاريد تدوى فى القاعة وانا التفت الى القفص لارها تنظر باسمة لى ودموع الفرح والشكر تملء وجهها ...
......................تمـــــــــــــــــــــــت ......................
كانت هذه اول مرة لى ادخل فيها المحكمة ....ما تلى ذلك من غرائب القضايا الخاصة وعجائب الموكلين والتقاضى يتضائل امامه وقائع ماسردته لكم فى الاثارة والتشويق ...لن اقصه عليكم الا اذا كانت لديكم الرغبة فى ذلك ....

هناك تعليق واحد: