الاثنين، 22 أكتوبر 2012

برنجى وكنجى وشنجى !!!

منذ حوالي ساعة

برنجى وكنجى وشنجى !!!
 
..تمر بنا سنون العمر من محطة الى اخرى ...تترك كل منها الكثير فى ذكرياتنا محفورا من الصعب نسيانه ..بحلوه ومره ...بشغفه وايضا بقرفه ...
فما كان مرا وقتما وقع بنا ربما تحيله الذكرى بعد ذلك الى ما لا يخلو من طرافة .....الحقيقة ان سنوات خدمتى العسكرية كضابط احتياط هى من هذا الصنف الاخير ...
لدى سجل حافل بمئات الذكريات التى يمكننى وصفها ..بانها
ايام اسود من قعر الحلل والاِذانات ...اما الان فلا اذكرها الا من تلك الزاوية البعيدة ...التى تمثل الطرافة والفكاهة منها ...سبحان مغير الاحوال ..!!!!!
كنت مضرب الامثال فى الالتزام والعسكرية الصارمة ..ولكن بطيبة قلب مع العساكر الغلابة ارق من جناح الفراشة او العصفورة علشان ماتقولوش اننى ابالغ ....لذلك حصلت على شهادتى بتقدير ( قدوة حسنة ) ..
هاكم احدى الليالى الشاتية التى عشتها وانا بعد فى فترة التدريب فى معهد ضباط الصف قبل تخرجى فى كلية الضباط الاحتياط ..
لم ار وحدة عسكرية مترامية الاطراف شاسعة المساحات مثل هذا المعهد فى منطقة التل الكبير ...فحدوده الخلفية مفتوحة على مناطق ممتدة لا نهائية مع اراضى الفلاحين على اقصى اقصى البعد
...رحمك الله ياباش شويش بيومى ..
شمال .. يمين
شمال .. يمين
...امشى عدل ياطالب يامخلة يابيادة يامكحول انت وهو ...انتم رايحين طابور الخدمة مش بتتمشوا على الكورنيش ...
احسن يادليل ...خليكو زى الدليل يا قلة من ليه ..
هكذا كان يصيح فى زملائى من خلفى ...كنت دوما دليل الطابور ...يعنى اول واحد فى الصف ...
يافندم طب دا واحد غاوى ميرى ...شكله ملسوع فى مخه احنا زنبنا ايه بقى ...
وهكذا كان اكثر من واحد يرد عليه قاصدين شخصى انا ...
اضمرها فى نفسى صامتا ...ماشى يا تحفة منك ليه ...اما طلعت البلا الازرق عليكم الليلة مابقاش انا ...
وهكذا نمر بطابور الخدمة لاختيار افراد الحراسة منا ومعرفة كلمة سر الليل ...والتى بدونها يحظر على اى شخص التجوال ليلا او المرور من قطاع كل فرد حراسة ...
الكثيرون لا ينتبهون لها ...يعنى ضربينها طناش .....
ها يا دفعة ...برنجى ولا كنجى ولا شنجى ...؟؟؟؟
يسألنى بعض زملائى فى العنبر عند عودتى من الطابور ...
الليلة كنجى مع اتنين من عساكر المعهد ....ارد عليهم ...فاسمع حسراتهم ...ايه يابنى هم مستقصدينك ولا ايه ...كل مرة كنجى ؟؟؟
فيرد اخر بدلا منى ...ياعم روووووح ...وهو ده بيهمه ...ده لو عليه ياخد التلات نوبات سهر ورا بعض ...ده مصيبة سودة ...
تتعالى الضحكات من الجميع فيتزايد احدهم ...والله الجدع ده فعلا عسكريته مرة ...منيلة بنيلة ...ياويل اللى هايشتغلوا تحت ايده بعد ما يتخرج ....اللى هايخد منها لحسة ...هايفضل يتف تلات تيام ...
ضحكت كما ضحك زملائى ...واذا بواحد يسألنى ...
فين قطاع خدمتك الليلة دى ؟؟؟
قلت: من اول عنبرنا هنا لغاية الكانتين وبعدين الحمامات والمنطقة اللى وراها لحد العنبر المحروق ...
وهنا سكت السائل وعلامات الرعب ترتسم على وجهه مما اصاب الباقين بالدهشة فلزموا الصمت محملقين فيه ...
بعد برهة ردد وكأنه يحدث نفسه ..ازاى الكلام ده ...؟؟!!! الخدمة فى المكان ده وبالذات من الحمامات ولغاية العنبر القديم من اختصاص عساكر المعهد ...اما احنا طلبة الاحتياط ما بنخدش خدمة فى المكان ده ابدا ...!!!!
وايه المشكلة فى كده ..؟؟ سألته فحاول التنصل من الاجابة ...
وبعد الالحاح منا عليه افصح لنا بما علمه من احد ضباط الصف القدامى فى المعهد ...
العنبر المحروق ده كان زمان هو عنبر طلبة الاحتياط زينا كده ...كان فيه تلاتين طالب ...و فى يوم ....اتنين من الطلبة شافوا على البعد من ورا العنبر بنت فلاحة بترعى شوية خرفان ومعيز ........قربوا منها ...وده كان ممنوع طبعا ...عكسوها وضايقوها ...فى كلام انهم عملوا اكتر من كده ....المهم ..
صمت زميلى لحظات وكل منا صامت متعلق بشفتيه يستحلفه ان يكمل ....
اللى حصل فى الليلة دى محدش يعرفه غير قليلين جدا .......
انتم شايفين ان حدود المعهد من ورا مفتوحة ...( هززنا روؤسنا دون ان نهمس حتى لا نقاطعه )
بيقولوا ان مجموعه من الفلاحين جم بالليل ودبحوا كل اللى كانوا فى العنبر وبعدين حرقوا المكان ومشيوا من غير ماحد يمسكهم ..
ومن ليليتها العنبر ده سايبينه مهجور زى ماهو ....عارفين ليه .؟؟
لم ينطق احد منا ....( كمل يخرب بيت ابو اللى جابو ابوك ...قطعت نفسى ...)
علشان ارواح المدبوحين والمحروقين بتطلع تلبش جتت اللى يكون قريب من العنبر ....
نظر فى وجهى وكأنه يودعنى ...خلى بالك ياصاحبى من نفسك كويس ...
افاق الاخرون من صدمة الحكاية ...البعض لزم الصمت والبعض راح يتهامس والبعض جاهر بالضحك مشيرين الىّ ....تستاااااااااااااااهل
ورينا شجاعتك بقى مع العفاريت ...دى هاتبقى ليلة سقع عليك ..
تركت العنبر بعد العشاء ...نوبتى تبدأ فى العاشرة لتنتهى فى الثانية صباحا ...توجهت الى العسكرى البرنجى كان يقف بعيدا عن الحمامات والعنبر ....شاهدنى مقبلا عليه فعرفنى عندما تسلمنا الخدمة فى الطابور ...سألته ...انت هاتريح فين ياامباشا ...قال :
حكمدار الخدمة قالى وقال لصاحبى اننا نريح عند المكان اللى هايبيت فيه عند الكانتين ...
بس دا بعيد عن هنا ....قلت له ...فزم شفتيه كأنه لا يهمه الامر ...من الواضح انه مش عارف حاجة خالص ...عسكرى مقفع مكركب على نفسه ..حتى شايل سلاحه بالمشقلب ورا ضهره ...دا ايه النيلة دى ...؟؟؟
تسلمت ورديتى مقسما ..ان الدبانة لو مرت من قطاع خدمتى هاثبتها ولو ما عرفِتش كلمة السر هاتبقى اخرتها مطينة بطين ..
الظلام حالك الليلة ...والجو شكله هايديها مطرة للصبح ...هى شكلها ليلة !!!
وضعت السونكى فى مقدمة بندقيتى وعلقتها امام صدرى ممسكا بها فى وضع استعداد...
رااايح جااااى ....من الشمال الى اليمين ....من عنبرنا الى الكانتين
...يافرج الله .. ده مين اللى طالع من العنبر ده .......ده الواد عطية الشرقاوى .....لابس الزنط ولافف نفسه فى بطنية ...
اااثبت محلك ....قفزت من وقفتى فى الظلام امامه معترضا اياه شاهرا السلاح فى وجهه صارخا بالكلمتين بكل العنف ...
ارتعد المسكين من المفاجأة ومن بين الاغطية نظر الى متهتها ..
يخرب بيتك وبيت الجنان اللى انت فيه ...
تجاهلت كلماته واعدت الصراخ فى وجهه متقدما خطوة حتى قارب طرف السونكى ان يلامس ماعليه من غطاء ..
اثبت محلك ...
شعر بالجدية فى صوتى فتسمر مكانه ...عاوز ايه ياللى يبتليك باللى يلبش جتتك .....انا عندى اسهال سيبنى اعمل معروف ...
كان صوته مبحوحا كأنه يكابد مالا يطيق فعلا ..
انطق كلمة سر الليل .........صحت فيه بقوة ..
مش عارف ..مش عارف كلمة الزفت....
صحت مجددا ...للخلف در ...قدامى على الحكمدار .....
الله يخليك سيبنى ... الاسهال يخرب بيت الغبى اللى انت فيه ...
كاد ان يبكى ...
خلاص ياعطية ...سماح المرة دى ...اجرى بسرعة على الحمام ..
جرى المسكين وانا اجاهد نفسى الا اضحك باعلى صوتى ...
تابعته منتظرا وبعد دقائق عاد راجعا ...
شفيتو ياعطية ..قلت له مبتسما ..
اشاح بوجهه عنى وهو يتمتم ...منك لله انت والهبل اللى انت فيه ..
تلاقيك لما بتنزل اجازة بتوقف خدمة على الحمام ...وبتعمل لهم فى البيت كلمة سر كمان ....روح الله يشفيك ...
ابتسمت صامتا ...ابتعد عطيه واستدرت اتابع حراستى فى كل قطاعى ..الهواء بارد وبعض رزاز المطر بدأ يتساقط ...اغلب افراد الخدمة يتركون اماكنهم فى مثل هذا الجو اما انا فلا يمكن ان افعل هذا مطلقا ...مازالت كلمات صاحبى عن العنبر المحروق تتردد فى داخلى ...الظلام الحالك والسكون القاتل يجعل النفس فريسة لهواجسها ...معى كشافى الخاص ...اطوف بدائرته الواهنة فى كل مكان ...تجاوزت الحمامات ...اتجه الى ما وراءها ...الدائرة الضوئية تسبقنى ...هاهو العنبر من بعيد على ضوء الهلال الباهت وما يصل اليه من شعاع كشافى ...تلوت المعوذتين ...وقفت ارقب المكان بكل ما به من حطام واخشاب ..استدرت عائدا واذا بالصوت يصرخ من ورائى حادا كالصراخ الحزين ...كاد قلبى ان يتوقف وانا التفت بسرعة تجاه الصوت ....يادى الليلة الكوبية ..!!!
زادت قبضتى على البندقية اتلمس فيها الشجاعة والامان ...
صحت بصوت حاولت ان اجعله ثابتا قويا ...مين هناااااك ..؟؟
مافيش رد ...سلطت الضوء على باب العنبر وفجأة انطلق شيء اسود اكبر من الكلب بسرعة رهيبة فاصطدم ببعض الالواح الصاج والاخشاب فاحدث ضوضاء رهيبة فى سكون الليل والظلام ...واعقبته الصرخة الاعلى من سابقتها واذا بضربات عنيفة كمن يطرق على باب خشبى ترتفع ....
انخلع قلبى ...الرعب يتملكنى ...فكرت فى العدو جريا ...لكننى تراجعت مشهرا سلاحى وصارخا ...اظهر نفسك بسرعة .....
هاضرب بالناااااار .....
وطبعا ولا حد عبرنى ...
المطر يزداد عنفا ...قررت ان اتجه الى الحمامات فاتوارى بالقرب منها تحت تلك الشجرة المجاورة لها ...كنت ابتعد راجعا الى الخلف بظهرى وانا اتابع ببصرى باب العنبر المجحوم ...
واصلت التراجع واستدرت متجها الى الشجرة عندما اصابتنى ضربة عنيفة فى رأسى ....آآآآآآآآآآآآآآى ...ياولاااااد الكلب ...
تلفت حولى مرعوبا ولا ارى احدا ...كدت اصيح طالبا المساعدة صيحة الحراسة المعروفة ...حرس سلاااااح ...
لكن المشكلة انك قد تتعرض للجزاء اذا اجتمع عليك باقى افراد الحراسة القريبين ولم يجدوا ما يستدعى اطلاقك النداء ...
وقفت بجوار باب الحمامات وماكانت الا لحظات وسمعت الصوت الباكى يئن من الداخل ...
ارتعش الكشاف فى يدى وانا اوجهه الى داخل الحمامات مرددا ..
مين اللى جوه ....مين هنا .؟؟؟
..دخلت افتش المكان ...ابواب الحمامات كلها مفتوحة ولا احد فيها غير باب واحد ...كان مغلقا ...طرقت عليه طرقتين ...لم يرد احد ..مرة اخرى ...فى حد هنا ..؟؟ ...لم يرد احد ...
ازحت الباب بسن السنكى وبيدى الاخرى وجهت ضوء الكشاف ..انفتح الباب مصدرا صوتا حادا وهنا صرخت انا عندما رأيت ذلك الجسد الضخم الاسود المكوم داخل الحمام موليا للباب ظهره ...
اصدرا فحيحا قويا وبدأ ينهض ملتفتا ناحية الباب ...اطلقت ساقى للريح لاجرى خارج الحمام وما لبثت الا ووقعت ارضا فى الطين والوحل ...حرس سلااااااااااح .....حرس سلاااااااااااااااااح ...
الحقونى ياولاد الجزمة ....
حاولت النهوض لتداهمنى الصرخات اتية من ناحية العنبر المحروق ...واذا بشبحين يهرولان من هناك تجاهى ....
حرس سلاااااااااااااااااااااااااااااااااااااح ....
مافيش فايدة ولا حد سامع ...بسرعة جذبت اجزاء تعمير البندقية وكدت اطلق الرصاص على مهاجمي ....
استنى يخرب بيت شيطااااااااااااااااااااااانك ...احنا صحابك يالا ....
ياولاد ال ـــــ ........
كان صاحبى الذى قص علينا حكاية العنبر ومعه اخر ....
كنا بنهزر معاك يامتخلف ....انت كنت هاتضربنا بجد ولا ايه ......؟؟؟
ظللت انظر اليهما صامتا والغيظ يفتك بى ...
ومين التالت اللى جوه يا شوية كلااااااب ...سألتهم وانا اشير الى الحمام ...
ضحكوا مرددين ...دا الواد عطية ....حب يردلك غلستك معاه ....
دخلت ثائرا الى الحمام ودخلوا معى كل منا يضيء كشافه امامه ..
اطلع ياعطية ...اخرج بره يامجرم ....
ياليلة سودة ....!!!!.مافيش حد هنا ....!!!!!
نظرت اليهم مندهشا فسألنى احدهما ....انت متأكد انك شفت حد فى الحمام ..؟؟
انتم لسه هاتسألوا ......اجروا بسرعة .....!!!!!!
انطلقت اعدو وهم فى اثرى ...وما توقفنا الا ونحن داخل عنبرنا ....توجهت بسرعة الى فراش عطية زميلى كان نائما يغط فى سبات عميق ....
.............................تمـــــــــــــــــــــــــــــــــت ........................
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق