الجمعة، 25 مايو 2012

سندوتشـــــــــــــات فول وطعميــــــــــــة ...!!!

الجمعة 25 مايو 2012

سندوتشـــــــــــــات فول وطعميــــــــــــة ...!!!

...خد منى علبة مناديل والنبى يا استاذ .....اشترى واحدة بس ياحاجة .......يارب يخليكم عاوز افطر .....
بهذه الكلمات كان يمر بين الناس فى الطرقات حول ميدان ابو الريش فى السيدة زينب ....اسمه مرزوق ...وماله من اسمه اى نصيب ....له من العمر سبعة سنوات فقط ....نحيل الجسم تستره بعض الاثمال القديمة ..اصطبغت وجنتاه وذراعاه و قدماه الحافيتان بلون غامق مترب من شدة الاوساخ .....يزرع ارض الميدان بالقرب من محطة المترو كل يوم ...مع شروق الشمس وحتى الظهيرة فيجمع ما تيسر له من بيع المناديل الورقية وما تفضل به عليه اهل الخير فيهرول جاريا الى المعلم عواد فيلقاه جالسا على قهوته بشارع السد فيعطيه مابقى معه من مناديل ومقابل ماباعه منها ......ويهم بالجرى كما الطير ....يمسك به عواد بغلظة وهو يقول : ماتكمل اللى معالك ياض يامرزوق .....لسه النهار بدرى ....
ينفلت الطفل من قبضته مسرعا وهو يصيح بصوته الرفيع ...معلش والنبى يامعلم ...هارجعلك بعدشوية ....
يسرع الطفل الخطوات جاريا... يقف امام عربة الفول والطعمية ....يصيح على البائع ......سندوتشين فول واتنين طعمية ياعم فتحى ......والنبى بسرعة الله يخليك ....
وما ان تمسك يداه بلفة السندوتشات حتى يسلم للريح قدميه فينطلق عدوا يخترق مابين المارة والبائعين فى شارع السد ثم ينحرف قبل مسجد السيدة زينب الى شارع جانبى ومنه الى اخر ثم ثالث ...واخيرا الى نهاية حارة كئيبة ضيقة خلفها بيت مهدم خرب .....يدخل من الباب الخشبى القديم الذى يربطه بقطعة من القماش الى الجدار فيدلف وسط الركام والحطام الى ركن صغير على اول الدرج القديم .....ينادى فرحا ...واد يا حودة .....انا رجعت ياحبيبى ....يالا اصحى علشان ناكل ....
وعلى الارض ...فوق بعض الاوراق الكرتونية يقبع حودة الذى لم يتجاوز العامين والنصف لايستر جسده الدقيق المتسخ شيء تقريبا ......حوله بعض العلب الفارغة والاشياء المهملة التى يحضرها له اخوه مرزوق من القمامات ليلعب بها ....وبجوار الحائط المتهدم زجاجة من الماء يحرص مرزوق على ان تظل مملوءة دائما .....يهمهم الصغير بهمهمات فرحة مقبلا على اخيه فيتلقاه الاخير على صدره ضاحكا له ويجلسان سويا فيفتح مرزوق لفة الطعام ويمد يده باحد السندوتشات الى اخيه ....يأكل الصغيران وتمر امام مرزوق احداث الماضى القريب ....
.عندما مات ابوهما وحوده بعد فى شهره الاول ......وعندما ماتت امهما بعد زواجها ولم يتجاوز حوده العامين ........وعندما كان يمسك به زوج امه بيد وبالاخرى يحمل اخيه حوده .......وعندما سلمهما الى الرجل الاعور البدين فى منطقة لا يعرف منها الا اكوام القمامات ....قبض من الرجل حفنة من النقود وهو يقول ....احسن من عينيهم .....هاصرف عليهم ولا على عيالى .....مش كفاية الاربعة اللى فاضلين غيرهم .....
تركهما وصرخاته واخوه حودة لا تنقطع ....مازال يذكر عندما انهال عليهما الرجل البدين ضربا حتى سكتا من شدة الخوف .....
مازال يذكر كيف كان يتسول من الناس فى الطرقات طوال اليوم ليعود متعبا منهكا ساقطا ارضا من شدة الاعياء والجوع ...واذا لم يكن قد جمع ما يرضى الاعور انهال عليه ضربا وتركه ينام بلا طعام ......
مازال يذكر عندما اخذت احدى السيدات اخيه حودة معها عدة مرات لتتسول به ....ثم وهى عائدة فى المساء تتذمر تشكو من الطفل انه يظل نائما اغلب النهار ....وكان الصباح التالى الذى حفرت احداثه فى مخيلته لا تفارقه ابدا عندما اعترضت السيدة عن اخذ حوده معها ....فما كان من الاعور وكان جالسا يدخن الشيشة الا ان قام ممسكا بالماشة الصاج وبين طرفيها جمرة من الفحم فتقدم من حوده النائم والجميع ينظر اليه .... وبدون ان تختلج فيه عضلةواحدة وضع الجمرة على فخد الطفل الذى هب صارخا صرخة مازال صداها يخترق اذنى اخيه حتى اليوم ....بكى مرزوق اكثر مما بكى حوده ....ومنذ ذلك اليوم قرر ان يحمل اخيه كما تحمل القطة قططها الرضع بين انيابها فيهرب به من ذلك المكان اللعين .....ظل يجوب به الشوارع من منطقة الى اخرى حتى هداه الله الى هذا البيت الخرب ....لا يعلم بهما احد ....يتركه صباحا ليعود اليه بالطعام ظهرا ....ثم يتركه ليعود اليه مساءا يطعمه ويحتضنه فيدفئان بعضهما نائمين .....
صباح جديد ....يتوجه مرزوق الى المعلم عواد لينال نصيبه من علب المناديل .....كان يجلس معه رجل غريب ...سمعه يقول له ...
هاديك على كل واحد خمسميت جنيه ....عاوزهم عند شارع محمد محمود الضهر وكل واحد معاه ازازتين ....انت عارف الباقى بقى .....
هز المعلم عواد رأسه وعندما نظر الى مرزوق ابتسم واشار اليه قائلا للرجل ...ادى اول واحد منهم .....رمى الرجل ببصره اليه احتقارا وهو يقول ....ايه ده يامعلم ...؟؟؟ ده ينفع من الثوار ...!!! انت اكيد بتهرج ....؟؟؟
ضحك عواد وهو يقول للرجل ...طب بصله كده وفكر شوية .....
عاد الرجل يتأمله ثم انفرجت شفتاه عن ابتسامة شيطانية وهو يقول :
يابن الابلسة ...!!! فعلا هو ده ....اهو لو الكاميرات صورته ...ساعته نقول ادى اللى مسميين نفسهم ثوار ....لمين معاهم المتشردين .....ولو حصله حاجة يبقى شعللنا الموقف بين الثوار وبين الجيش والشرطة ....
.....انصرف الرجل واذا بعواد يقول لمرزوق ...النهاردة فيه شغل ليك احسن من بيع المناديل ....
لم يفهم مرزوق الا ان يصيح كما يصيح الاخرون وان يقذف الجنود بالحجارة كلما استطاع وان يحاول الاقتراب اكثر من الجنود او البيوت القريبة منهم فيلقى زجاجتين البنزين عليهم ويعود جاريا ...وله مقابل ذلك عشرة جنيهات كاملة ...اعطاه منها خمسة ..وافق فرحا مسرورا ....خبأ الزجاجتين اسفل القميص الذى اعطاه له عواد ....وظل طوال النهار يصرخ بصوته الرفيع كما يصيح الاخرون لا يفقه مما يقولون شيئا ....حتى كانت الظهيرة ...استطاع ان يقترب من الحواجز الاسمنتية وكان الجنود على الجانب الاخر منها فألقى بالزجاجتين عليهم واسرع يجرى ......لم يلتفت وراءه ....ظل يجرى من شارع الى اخر فتوقف امام مطعم للفول ليشترى ما اعتاد عليه يوميا ....وعاد يأخذ طريقه واذا بمجموعة من الشباب يجرون تجاهه صائحين ....هو الواد ده اللى حدف المولوتوف ....اوعوا تسيبوه ...
اهى الشنطة لسه فى ايده اهيه .....
فزع منهم ....جرى باقصى سرعته ....اسرعوا خلفه ....انحرف بسرعة ليخرج الى طريق جانبى ....صوت نفير سيارة ينطلق عاليا وصوت احتكاك عجلاتها بالارض يشرخ الجو ...وقع مرزوق ارضا والدماء تنزف من راسه
...لحق به الجميع ...كانت الشنطة البلاستيك بجانبه وقد بعثرت منها سندوتشات الفول والطعمية..........لفظ انفاسه الاخيرة وهو ينطق .. .........اخويا .... اخويا حوده .......!!

..................... تمــــــــــــــــــــــــت .........................
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق