الخميس، 19 أبريل 2012

الرسالة............

22 مارس 2012

الرسالة............

الوقت / بعد منتصف ليل العشرين من مارس ....
المكان / مطارجنوب افريقيا الدولى.....
ركب الطائرة المتجهة الى مصر والمقرر وصولها مطار القاهرة
الدولى فى الحادية عشرة صباحا.....الفرحة والسرور يملائان وجهه ....سعيدا بهذه الرحلة التى ما انقطع عنها لسنوات طويلة .....ذات اليوم من كل عام .....يسافر من مقر عمله فى جنوب افريقيا الى مصر لزيارة امه الحبيبة فى عيد الام فيحتفل معها حاملا اليها كما من الهدايا .....
هى تنتظر هذه الرحلة اليها بشوق يفوق زياراته لها فى ايام اخرى خلال العام .....كانت تعد البيت منذ ليلة العشرين من مارس كأنما تعده لعرس ...
تجاوزت الخامسة والخمسين من عمرها ...تعيش مع زوجها وحدهما فلم يرزقا الا بابن وحيد ....كان يوم سفره الى جنوب افريقيا منذ ستة سنوات ليعمل مهندسا مقيما هناك يوما فارقا فى حياتها ....تألمت بشدة واصابها المرض لفترة طويلة حزنا لفراق ابنها الحبيب ...ودعها واعدا اياها بزيارتها كلما سنحت له الفرصة .....وصدق فى وعده ....زاد عليه هذه الرحلة التى لم يتخلف عنها فى مثل هذا اليوم من كل عام .....
كان يقرأ القرآن قاطعا بعض الوقت فى الطائرة حتى يغلبه النعاس .....الوقت يمر بطيئا كما هو معتاد فى السفر.....
انتبته سنة من نوم ................يقف امام باب شقة والديه محملا بالهدايا ....يطرق الباب بلهفة ....السعادة ترقص على وجهه .....الباب يفتح ليرى احب وجهين له ...والديه ......البسمة مغلفة بدموع الشوق على وجهيهما..
يترك ما يحمله ويفتح ذراعيه بكل حنان المحبين .....أمى ..أبى ....
صوت انفجار ورجة قوية تنتزعه من احلامه ......المشهد مختلط مرعب الركاب تصرخ ....البعض منقلب ارضا ....الكثيرون يتخبطون فى صياح وفزع ..يشاهد حريقا فى مؤخرة الطائرة وهواء ساخن تتطاير فيه الاشياء ....الطائرة تتمايل كورقة فى مهب ريح عاصف ....يندفع مقذوفا متخبطا مصطدما بالركاب والمقاعد .....ألام الاصطدامات تتلقاه من كل حدب ... كرة النيران تندفع من الانفجار متجهة بسرعة الى مقدمة الطائرة المترنحة الساقطة ....ادرك انها لحظة النهاية صرخ بالشهادتين وهو يرى وجه امه امامه ......
............................يقسم الاطباء فى مستشفى السلام الدولى فى مصر انهم لم يشاهدوا حالة مثل حالة السيدة التى نقلت اليهم صباح يوم الحادى والعشرين من مارس ...
يقول كبير الاطباء الذى اشرف على الحالة.....انهم فوجئوا بالحالة يصحبها زوجها العجوز باكيا ....كانت فى حالة اغماء لا تفيق منه للحظات الا لتصرخ منتحبة .....نسبة السكر عالية جدا ......ضغط الدم عندها مرتفع بصورة رهيبة ....يخشى معه من انفجار يصيب المخ او على افضل الحالات جلطة فى المخ تؤدى الى شلل كامل..
ادخلت غرفة العناية المركزة فى محاولات مستميتة من الاطباء للسيطرة على الوضع ...
قال زوجها وهو يغالب دموعه ان زوجته كانت مضطربة النوم الليلة الماضية وتعانى من ألام شديدة فى صدرها استمرت حتى الصباح وانهما كانا ...يشاهدان الاخبار فى التلفاز فى انتظار ابنهما الاتى بالطائرة من جنوب افريقيا عندما سمعا وشاهدا الاخبار عن انفجار تلك الطائرة وانه لم يعثر على اى ناجين من ركابها وقد ذكر اسم ابنهما ضمن من كانوا عليها من الركاب ......لم تحتمل الام الخبر فصرخت صرخة لم يسمع الرجل مثلها من قبل وخرت مغشيا عليها ولم تستجب لمحاولات انعاشها وتم نقلها الى هنا ...كانت حال الرجل متدهورة تماما غير انه يحاول التماسك وان ظلت عيناه تدمعان باستمرار....اما المرأة فقد دخلت فى شبه غيبوبة الا ان الاطباء يؤكدون سماعهم همهمات ضعيفة جدا جدا تهمس بها فى تقطع بين الحين والاخر لكنهم عجزوا عن تبين معناها ...مازال ضغطها مرتفعا وان انخفضت نسبة السكر قليلا ....
زوجها يجلس بجوار السريرفى حين يحيط بها اربعة من الاطباء ....انابيب المحاليل تتشابك من كل ذراع ....اسلاك الاجهزة العديدة تلتصق برأسها وصدرها .....كل طبيب يتابع امرا حسب تخصصه ..الوقت يمر ثقيلا على الجميع ...الترقب والتحفز لملاقاة المجهول القادم ....تتوقف شفتا المرأة عن اى همهمة ..الجسد طريح الفراش لا يتحرك .....ذبذبات الرسام الكهربائى للمخ تتوتر بعنف ....القلق يتملك الاطباء اكثر .....الزوج الباكى يضم كفيه الى وجهه مناجيا الله .....الاطباء فى حركة دائبة ....صوت صفير حاد يصدر من جهاز رسم القلب ......الكل يسرع فى عجلة لاسعاف القلب المتوقف ......اوامر كبير الاطباء تتوالى بسرعة .....الحركة المحمومة تلهب الجو .....الزوج سقط على ركبتيه بجوار زاوية السرير يبكى......جهاز انعاش القلب الكهربائى يتجهز .....1 ...2 ...3 ...ابتعدو ا........انقباضة عنيفة للجسد الملكوم .......مرة ثانية ...1 ..2 ...3 ....ابتعدوا ....قبل ان يضغط الطبيب بقبضتى الجهاز على صدر المرأة ....تنطلق صرخة عنيفة منها ويقوم جسدها بعف وتوتر شديدين ليصير فى وضع جلوس بزاوية قائمة فى شكل ارعب الجميع حتى ان الاطباء تراجعوا مفزعين من المفاجأة ...عيناى المرأة بلون الدم وقد اتسعتا فى رعب ....قسمات وجهها لا حياة فيها ....الزوج الباكى يستجمع شتات نفسه من الدهشة يتوجه الى المرأة بصوت خنقه البكاء ..يهمس لها ....لا تجيبه .....الطبيب ينظر الى شاشة الاجهزة وعيناه تملأهما الدهشة والذهول ......الاجهزة لا تسجل شيئا ...
القلب متوقف ....المخ لا يعمل .......والجسد مازال فى وضعية الجلوس ...اقترب الاطباء منها ...حاولوا اعادة الجسد الى الفراش رقودا ....الجسد كانه كتلة من الحديد المتصلب لا يتحرك ابدا .....الساقين الممددتين على الفراش كأنهما وتدين من فولاذ ......الحيرة تفتك بالاطباء ....نظرات التساؤل والاستغراب تتبادلها العيون ......كبير الاطباء يأمر مجددا بتحضير جهاز انعاش القلب .....الاطباء ينظرون اليه فى استنكار ودهشة .....الجهاز يعد ....استعدوا ...1 ...2 ..3...يضرب القلب الميت والجسد مازال على وضعه الجالس .....لا يتحرك مطلقا ....وشاشة الجهاز لا تسجل شيئا ....الزوج يبكى ....ارحمنا يا الله ......جهزوا الجهاز ثانياوارفعوا الضغط ازيد ...1..2 ..3 .....ضغطة عنيفة جدا ......مازال الجسد المتصلب كما هو فى وضعه .........كبير الاطباء ....مرة اخرى .......احد الاطباء فى دهشة ....ارجوك .......الجهاز ثانيه ....1 ...2 .. .. ...طبيب يصرخ ...ما هذا ؟؟؟؟ يشير الى ظهر السيدة المتصلبة ....تتجمع الانظار اليه ينظرون الظهر ...بقع من الدماء تلوث الملابس .....فى حيرة وتعجب يمزقون الثياب ليظهر الجسد الضامر المتصلب من الظهر وقد ارتسمت عليه خطوط طولية تنبثق الدماء منها ....كانها تشق الظهر شقا .....الاغرب المذهل انها سرعان ما تلتئم ...وما تلبث الا وتعود من جديد ليعود جريان الدم منها .....الجسد كأنه تمثال من حجر لا حركة ولا حياة فيه الا مشهد الدماء العجيبة التى تظهر ثم تختفى من الظهر .....فقط ما تغير هو لون جلد الظهر ...فقد تحول الى الاحمر الغامق كلون الكدمات .....
الزوج ينظر فى عجب ولا يكف عن البكاء والدعاء ....يسأل كبير الاطباء ...ماذا يحدث ؟؟؟؟؟
يطرق الطبيب راسه خجلا من جهله باى تفسير .......يهز راسه نافيا بأسف انه لا يعلم ....فقط يتمتم بكلمات حاول ان يجمع حروفها .....هذه السيدة ليست على قيد الحياة .....اما ما اراه امامى فلم اشاهده من قبل او اعلم له تفسيرا .......
الزوج ينهار باكيا ....ابنى وزوجتى .....ياااااااا الله يااااا رحيم ....
.......الاطباء يصورون ما يحدث بالكاميرات والفيديو .....الجسد مازال جالسا يآبى الاستجابة لمحاولات تحريكه باى شكل ولاى وضع ....السحجات ولون الكدمات مازالت تصيب الظهر....الدماء تستمر فى الظهور ثم تجف فجأة ...
استمر الوضع قرابة الساعة ...وفجأة سقط الجسد على الفراش كما كان راقدا اولا.....اسرع الاطباء الى فحص الجسد مجددا وقد اخذتهم الحيرة ....طبيب يصرخ ....اتلقى اشارة من المخ ......الزوج يهب من مكانه فرحا ......كبيرالاطباء يسرع بفحص الجسد ....يتلمس نبضا او دقة قلب ..... اعدوا انعاش القلب ...الجهاز يعد ......طبيب آخر .....اتلقى اشارة ضعيفة من رسم القلب .....العجوز يبتسم مغالبا دموعه .....ياااارب .......... ......1..2..3 ابتعدوا ......الجسد ينتفض انتفاضة الحياة ......رسم النبضات يستمر فى ثبات ....اشارة المخ قوية ......اريد قياس ضغط الدم فورا ....... الضغط يتناقص رويدا رويدا فى طريقه الى المعدل الطبيعى .....الشاشات تعمل ....الاطباء يتبادلون النظرات تعجبا .......هذه معجزة بكل المقاييس الطبية .......
تدخل احدى الممرضات الغرفة متجهة بسرعة الى الجمع المحيط بالفراش ....ينظرون اليها فى تساؤل .....تخاطب الزوج.....ابنكم عايش ....ابنكم فى التليفزيون .....انقذوه ...انقذوه ....الرجل يخر الى الارض من فرط المفاجأة .....احد الاطباء يسرع الى التلفاز المغلق المعلق بعيدا فى مواجهة السرير.................أية قناة ؟؟؟
التلفاز يعمل ......احد الاطباء يصيح ....بدأت تستفيق .....الزوج يسرع اليها .....ينحنى عليها يبللها بدموعه ويحمد الله .........
تقرير مصور من موقع الحدث عن حطام الطائرة المنكوبة .......المذيع وسط رجال الانقاذ فى مكان اشبه بالغابة ........الأم تهمهم بكلمات غير واضحة ...الزوج يحاول ان يسمع ما تهمس به ......المذيع .....فى لقاء مع الناجى الوحيد من حادث انفجار الطائرة .......الام تهمس ..... ......الرجل المصاب باكثر من اصابة يتحدث ببطىء وضعف ....الحمد ...لله ................. يسأله المذيع .....وجدوك مختبيئا فى جذع شجرة ...واكثر من ضبع يواجهك ؟؟؟؟يرد الرجل وتظهر ملامحه واضحة على الشاشة .....أقسم بالله ....أقسم بالله .....كنت ارى امى واقفة امامى كالدرع لى لا تتحرك رغم الضباع التى تمزق ظهرها ................... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
همست الام بضعف وشبح ابتسامة على شفتيها ...ف د ا ك ...أ ب ن ى ...
.................................تمت ...................

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق