السبت، 28 أبريل 2012

* أمــــــــــــــــــــــــــــــــــل *

* أمــــــــــــــــــــــــــــــــــل *

كنت اراها كل صباح وانا قاصدا عملى ...تجلس بجوار سور المدرسة التى تواجه منزلى ....تفترش الارض قابعة امام القفص الخشبى وعليه الصاج المملوء بالحلوى والمناديل الورقية .....طفلة لم تتجاوز الرابعة من العمر ..نحيفة ..هزيلة ..قلما اشاهد تغيير ثيابها ....منذ باكورة الصباح تأتى مع امها التى تضع لها القفص وماعليه وتجلسها امامه ثم تتركها مغادرة ...
لا تتحرك الطفلة مطلقا من جلستها تلك سواء امطرت السماء عليها او اشتد بها قيظ الشمس ....فقط اذا اصاب المطر حاجياتها تخرج من القفص كيسا كبيرا من المشمع لتغطى به الحلوى وتظل فى جلستها حتى عودة الام لاخذها ......اعتدت ان امر عليها كل صباح فابتاع منها المناديل معطيا اياها اضعاف ثمنها ...متمتما بين نفسى انها لوجه الله ....
صارت تعرفنى منتظرة مرورى عليها ....عرفت ان اسمها امل ...وان لها من الاشقاء سبعة ...
اراها ايضا عند عودتى فى الظهيرة ...فى ذات الموضع وبنفس الجلسة ..احيانا كنت اراقبها من شرفة منزلى ....تنادى بصوت رفيع واهن على الحلوى ....الاطفال امام المدرسة ...منهم من يبتاع منها ..عندها ارى البسمة قد علت وجهها مشرقة ...
كانت امها تأتيها قرابة الثالثة عصرا ...تمد الطفلة يدها الصغيرة فرحة بما جمعته من نقود الى امها فتتناولهم الاخيرة وتمنح الطفلة سندوتش الفول ...تلاقيك جوعتى يا أمل ......جوعت قوى ياماما !!!
هذا الصباح كانت امل ذابلة اللون شاحبة يبدو عليها المرض ...وكان بين يديها مالم اره معها سابقا ...كراسة وقلم تخط فيها بيد مرتعشة ....
ابتعت منها المناديل وسألتها عن حالها ....سعلت بوهن وهى تحمد الله ..سألتها عن الكراسة واذا ما كانت ألتحقت بمدرسة فقالت انها تجلس الى اختها الكبرى الوحيدة بين اشقاءها التى تذهب الى المدرسة فتعلمها...وانها استطاعت ان تعرف كتابة الحروف ...
ابتسمت لها مشجعا و قلت لها ..انتى عيانة يا أمل ...ليه جيتى النهاردة ......ردت بصوت بالكاد وصل الى سمعى : ماما مارضيتش تسبنى اقعد ..
..ظهيرة يوم جديد...اتابعها من الشرفة ...الاولاد يلعبون الكرة .....تصل الكرة بالقرب منها .....تمد يدها فتمسكها لتقذفها اليهم ....تتابعهم ببصرها وهم يمرحون ....كانت الكراسة والقلم بيديها ....من جديد تصل اليها الكرة ....يصيح الاولاد بها ....احدفيها يا أمل ....تتأمل الكرة ...امامها ..تقف ..تقترب منها وبفرحة تضربها بقدمها تجاه الاولاد ....يتضاحكون ...يطالبونها باللعب معهم ....ترفض ...يصرون ...تتركهم عائدة .. يصيحون بها ...اذا مالعبتيش معانا مش هانشترى منك تانى ....
تنظر اليهم مترددة ....تعاود الرجوع .....يضربون اليها الكرة بقوة ....تصطدم الكرة بالقفص الخشبى فتوقع كل الحلوى وما عليه من حاجيات الى التراب .....ارتعبت الطفلة ...هرولت الى الارض تجمع الحلوى باكية ...واذا بقيضة امها تمسك بشعرها بعنف وتمسح وجهها بالارض صارخة فيها ...
بتلعبى يا أمل ؟؟ بتلعبى .....احنا مش بتوع لعب ... فاهمة ؟؟ ..كويس الحاجات اللى باظت دى ....؟؟
انهالت عليها لطما والطفلة تصرخ باكية وبصوت مختنق متقطع تردد ...
انا غلطانة ياما .....اخر مرة والنبى .....ماعدتش ألعب تانى .....
تركتها الأم لتقع أمل على الارض من شدة الاعياء وبنفس الثورة الغاضبة امسكت الأم بالكراسة والقلم وهى تصيح بها ....علشان تبقى تخدى بالك من اللى قدامك كويس ...قالت ذلك وهى تكسر القلم وتمزق الكراسة .....ارتمت الطفلة على قدمى امها تقبلها وسط نحيبها وهى ترجوها ...الا الكراسة ياما ...أبوس رجلك بلاش تقطعيها .....بلاش وحياة النبى ...

كان الكثيرون من المارة يشاهدون مايحدث صامتين وما زالت أمل تبكى ...

.............................. تمـــــــــــــــــــــــــــــــت ........................
1

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق