الأحد، 22 أبريل 2012

الســــــــــــــــــــاهر !!

الســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاهر !!!!!

الثالثة بعد منتصف ليل احد ايام شهر يناير الباردة ....كنت متجها بسيارتى الى بلدة كفر عديس ...احدى القرى الصغيرة غير المشهورة بعد بنها حيث يعيش صديقا لى ....مسافرا لواجب العزاء فى موت زوجته الذى حدث فجأة بشكل لم يخلو من غرابة ...كان من المقرر ان اصل اليه بعد الفجر ومع باكورة الصباح كما طلب منى ملحا حتى احضر مراسم الدفن معه ....
كنت قد تركت منذ مدة الطريق الممهد وصار لزاما على السير بالسيارة عبر طرق زراعية موحلة .....بعض من رذاذ الامطار يتقاطر على زجاج السيارة .......العجلات تسير ببطىء وسط الطين اللين ....احاول ان اتفادى جزوع الاشجار والحجارة الكبيرة على جانبى الطريق عندما شعرت بهبوط قوى لاحدى العجلتين الاماميتين غارسة فى الاوحال بشدة .....
أوقفت السيارة ...نظرت من شباكها ...الامر غاية فى السوء ....اذا حاولت زيادة السرعة فسوف تغوص مقدمة السيارة تماما ...كانت الساعة قد قاربت على الرابعة صباحا ...لا ارى احدا مطلقا فى هذه الناحية النائية المشرفة من بعيد على القرية ....الاشجار على جانبى الطريق ..ليس من ضوء فى السماء فى اول شهر صفر ...صوت الحشرات الليلية وطنين الناموس يحيط بى ...قلت فى نفسى ..يالها من ليلة !!! ...
قررت العودة داخل السيارة منتظرا الصباح لعل البعض يرانى فاحظى بالمساعدة ....كدت ادخل السيارة عندما شقت الليل واخترقت مسامعى صرخة عنيفة لرجل ملؤها الألم الرهيب ..تراجعت من شدة المفاجأة اتلفت حولى ...لا تمنحنى الاشجار القريبة مجالا جيدا للرؤية ....ترى لمن هذه الصرخة المدوية ...هل اتقدم لارى ؟ ....ام ابقى فى السيارة .؟
واخترت التقدم ...فالفضول عندى هو قاتلى لا محالة ...ما ان تقدمت خطوات فى الاتجاه الذى شعرت بصدور الصرخة منه حتى هالنى الصوت المرعب الاخر ...عواء لذئب مزق السكون من حولى ....
الحق ان قدمى باتتا ترفضان التقدم ..فى حين تحفزنى روح غيب المجهول التى تسحرنى دائما على مواصلة التقدم .....
غاصت قدماى فى الطين الموحل كثيرا وانا امر بين المزروعات والحشائش
حتى لاح لى على البعد تحت ضى النجوم الباهت ما يشبه الكوخ او العشة على راس احد الحقول ....كانت هناك بعض اعواد الحطب المشتعل ....تعجبت لمشهدها ....اقتربت منها اتلمس طريقى على بصيص لهيبها كدت اصل اليها عندما انطلق عواء الذئب ثانيا كأنه خلفى تماما هذه المرة ... انتفضت ملتفتا بسرعة فى اللحظة ذاتها التى امسكت يده بكتفى....
...بالرغم منى اطلقت صرخة خوف وكدت اقع ارضا فاسرع يمسك بى قائلا ..لا تخاف يا ولدى ...لا ضرر عليك ...
كان رجلا عجوزا يلف راسه بشال ممسكا فى يده بشرشرة كبيرة ..تلك الاداة الحادة التى تشبه علامة الاستفهام والتى يستخدمها الفلاحون ..
حملقت فيه بدهشة واستنكار ...اقترب منى وقال وهو يتجاوزنى الى قرب النار ....انت غريب عن هنا ..؟؟
تتبعته ببصرى فوجدته جلس ارضا امام الحطب المشتعل و بدأ يشرع فى تحضير ابريق الشاى ليضعه وسط الحطب ....كان رذاذ المطر قد توقف منذ فترة لكن هناك رياح باردة تلف الجو من حولنا ...اقتربت لاجلس على صخرة بالقرب من النيران شاعرا بالدفىء ...قلت وما زال اثر الدهشة لم يفارقنى ....العواء ....كان هناك عواء ذئب ....ايضا ...الصرخة ...الصرخة ..
قاطعنا بنظرة منه ثاقبة ...ستشرب الشاى معى ....
حملقت فيه متعجبا ....جولت ببصرى فيما حولى ...العشة المتهاوية ..الارض ....الرجل ...تراه كيف يعيش وحده..!!! ...كان يضع الشرشرة فى النار اسفل ابريق الشاى ....
حرك بعض الجمرات بعصا رفيعة تحت الابريق وقال ...اقترب الفجر.
سألته .. كيف تجلس فى هذا ......قاطعنى فجأة وهو يحدق بى ..
انا الساهر ....
ارتسمت علامات الدهشة على وجهى ....ويبدو انه فطن لذلك فعقب قائلا : اسمى الشيخ الساهر ...
هززت راسى صامتا ....ثم قلت ...انا هنا لزيارة صديق من القرية ماتت زوجته بالامس ...اتيت لواجب العزاء ....
قال وهو يصب الشاى فى كوب فخارى قديم ...لكل اجل كتاب ...
قلت ...نعم صدق الله العظيم ....مد يده الى بالكوب ...تناولته وانا اقول :
لا اعرف عن موت زوجة صديقى شيئا الا انه يقول انه يرتاب فى ........
قاطعنى وهو يرفع الشرشرة من النار وكان نصلها قد صار كالجمر احمرارا .
عندما يحن الاجل لا تسل عن السبب ...
اخذت ارشف من الشاى الساخن ...له طعم كالسحر فى فمى خاصة مع هذا البرد ....اطبقت على الكوب بيدي طمعا فى دفئه ......الرجل يمد ساقه اليسرى بجوار الحطب المشتعل .....اتابعه ببصرى ....يجذب طرف الجلباب عن ساقه .....هناك جرح رهيب متقيح اسفل ركبته ....كان الكوب على شفتى عندما وضع نصل الشرشرة المتجمر على الجرح ليصدر صوت الطشيش وتصعد ابخرة الدخان من ساقه ....وقع الكوب من يدى وبصقت ما كان فى فمى من شاى جراء الذهول الذى اصابنى ....فى حين كان هو بلا ادنى تعبير على وجهه ....
هببت واقفا كالملسوع مترددا اى طريق اسلكه ونفسى يتسارع دهشة ....
قال العجوز دون ان ينظر الى وما زال يسوى اطراف الجرح بنصل الشرشرة
....اسلك الطريق الايسر ....من هنا .....اياك وطريق الساقية المهجورة .
ابتعدت جاريا وكانت تباشير الصباح قد لاحت فى الافق .....
.....................التقيت صديقى وانا فى حالة رثة مزرية ....اعارنى
بعض ثيابه لاتساخ ملابسى ....وانا اقص عليه ما حدث للسيارة .....لم اذكر حديث العجوز معى فقد كان صديقى واجما ابدا ...ليس احساسى تجاهه انه حزين بل هو واجم بالفعل .....اتممنا مراسم الدفن وكنا عائدين بسيارته الى بيته عندما قال انه يشك ان زوجته كانت على علاقة باخر ..
زلزلتنى الجملة فانكرت عليه قوله ...كانت عيناه دامعتان وهو يقول ...
اتعرف انها وجدت ميتة خارج القرية عند الساقية المهجورة ...قال طبيب الوحدة ان قلبها توقف ....
طرقت كلمة الساقية المهجورة سمعى كطعنة سيف ....تابعته بكل اهتمام ....اكمل وصوته منخفض كانت قسمات وجهها تنم عن رعب قاتل
.....ماذا تعنى ؟؟ سألته ...هز راسه سلبا وهو يقول ..كل القرية تتسائل عن سبب ذهابها الى ذلك المكان ....
احاطت بى دوامة من الاسئلة ....اخترت احدها لاقول ...وهل تعرف من عساه يكون الرجل الاخر ..؟
نظر الى غاضبا وقال .لا بالطبع ....فلو عرفت لقتلته فورا .....
كانت سيارته تتهادى بنا عندما سمعنا مكبر الصوت يعلن فى ارجاء القرية كما هى عادة الفلاحين ...ان فلان ابن فلان وجد مذبوحا عند الساقية المهجورة ......توقف صديقى بالسيارة ونظر الى وفى عينيه بريق غامض
.....من جديد صدمتنى كلمة الساقية ....سألته بسرعة ...أتعرف الشيخ الساهر ....؟؟
نظرنى بدهشة وقال بالطبع اعرفه ....رحمة الله عليه كان كالأولياء .. يأوى اليه الطير والوحش ...لا يسكت على باطل او حرام ......

ازدرت ريقى بصعوبة وقد لفنى الصمت والدهشة وصوت يتردد فى اذنى ...

...اياك وطريق الساقية المهجورة .......اياك وطريق الساقية المهجورة .

.............................. تمــــــــــــــــــــت ............................
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق