الخميس، 19 أبريل 2012

البسمة ...

29 مارس 2012

البسمة ...

هى ام لثلاثة اطفال ...مات زوجها منذ خمسة اعوام بعد رحلة معاناة مع المرض اللعين اتت على كل ماكان يملكونه من مال ...تركها بلا اية موارد للدخل الا مما تناله من عملها البسيط
.....انكفأت على اولادها تربيهم وتنفق عليهم من عملها كممرضة مساعدة فى احدى العيادات الخاصة ..كان اكبر ابناءها لم يتجاوز بعد الخامسة عشرة عندما اصابه نفس مرض ابيه ....كان شديدا سريعا استطاع القضاء على الابن خلال عام واحد فقط وهكذا لحق بوالده بعد عام ونصف فقط ....كانت ضربات القدر اقسى مما تتحمل لا تذكر يوما انها ابتسمت طوال تلك السنوات ....كانت تحمد الله على كل حال ....فذلك هو الواجب على المسلم ......ما كادت تستفيق من طعنة الايام فى ابنها الاكبر حتى بدأت تظهر على الابن الاوسط نفس الاعراض اللعينة .......
الاطباء يعجبون من الحالات التى ينتشر فيها ذلك المرض بتلك الصورة المفزعة التى تلتهم فى بشاعة حياة المريض غير تاركة لوسائل العلاج فرصة لمقاومتها!!!!
مات الابن الثانى بعد عام من موت اخيه ...اذا كان الصراخ والنحيب يجدى فقد صرخت وبكت وانتحبت حتى جف الدمع منها ولكن بلا جدوى .شعرت وقتها انها لا تريد الحياة .....فاين هى الحياة ؟؟؟ لم يكن من احد لها يشاركها تلك النوائب فيخفف عنها الشىء اليسير منها.....تحملت ما ينوء بحمله الرجال .....هرمت وهى بعد فى الاربعين من عمرها .....ليست تلك بالتجاعيد على وجهها وانما اثار صفعات الزمن القاسى وما خلفته النوائب المفجعة عليها من ندوب .....
ما تبقى لها غير ذلك الصغير ...عمره سبعة سنوات فقط .....
كانت تقول لنفسها هو اخر علاقتى بهذه الدنيا ..... اذا اصابنى فيه مكروه فلتذهب الدنيا وما فيها وعليها الى الجحيم .....فانا احيى الجحيم ذاته ..
كان ذات يوم والصغير يلعب الكرة مع الاولاد امام المنزل عندما وقع فجأة دون ان يلمسه احد .....قام فوقع ثانية .....حاول النهوض فلم يقدر فما كان منه الا البكاء فصاح الاطفال عليها ...اقبلت فزعة من داخل البيت لترى الصغير باكيا على الارض ....ظنت ان احد الاولاد اصابه اثناء اللعب لكن ....الوضع كان غير ذلك ...!!!!!
نصحها الطبيب الذى تعمل فى عيادته بالذهاب الى معهد شلل الاطفال ..صعقتها الكلمات ..صاحت باكية مستنكرة .....ازاى ؟؟؟ ازاى ...؟؟ ده واخد كل تطعيماته فى مواعدها .....!!! ثم صاحت والدمع تخنقها .....
مش كفاية عليا كده يارب ...؟ يااااااااارب !!!!
بعد الكشف على الصغير اصابت الاطباء الحيرة والدهشة ....امر غريب فى هذا الطفل.... الشلل المفاجىء لاعصاب القدمين ليس بالطريقة التى يعهدونها ......!!! احتجزوه بالمستشفى تحت الملاحظة الدائمة ......طلبوا صورا للاشعة ....المقطعية ...والرنين المغناطيسى ....الخ ......ايام قليلة وبدأت اعراض اخرى تظهر على الصغير المسكين ذراعه الايسر بات لا يتحرك ايضا .......يشكو من صداع رهيب يجعله لا ينام ...اخيرا قالوا لها شيئا عما يسمى متلازمة العبد اللات...ولما لم تفهم قالوا ببساطة ان الصغير اصيب بمرض نادر جدا اكتشفه طبيب عربى وسمى باسمه وهو يصيب الدماغ والاعصاب ومن ثم يأتى الشلل . ثم اضافوا انه قد بدأ ورم ملعون يتكون بالرأس .. ....سقطت صارخة وظلت فى حالة اغماء لعدة ساعات افاقت منها بعد محاولات عديدة من الاطباء حتى قال بعضهم ...انها هى التى لا تريد ان تفيق .....هى التى ترفض الحياة ..
وهكذا كانت رحلة جديدة من الاوجاع والدموع ....الصغير يبكى حالته الجديدة ..عجزه عن السير وزحفه على يد واحده يجعله فى بكاء وحزن دائمين ....هى تتمزق شر ممزق وهر تراه بهذه الصورة ...كان الطفل يصاب يالالام المبرحة كلما اراد النوم على الوسادة فيصرخ من الوجع ......ويبكى ...ماما ..ماما ....مش عارف انام ....وجع جامد أوى .... الكلمات كانت تذبحها فترفع الصغير على صدرها وراسه على كتفها وتظل به على هذا النحو جالسة طوال الليل ...فما يلبس ان يعاود الصراخ من وضعه ويبكى راسه من جديد .........قال لها احد الاطباء بالمستشفى ربما نلجأ الى جراحة للتخفيف عن المخ ......
سألته والدموع تجرى على خديها ......ونسبة نجاحها كبيرة ....؟؟
هز راسه وزم شفتيه قائلا :
مثل هذه العمليات نلجأ اليها مضطرين ....
كان الحوار امام الصغير فاذا به يقول بصوت هزمه المرض ....بلاش ياماما ...اخد الدوى احسن ....
لم تستطع منع الدموع التى قهرتها وهى تحتضن الصغير ....
بدأ شعر راسه يتساقط من اثر العلاج وصار لا ينام مطلقا على الوسادة لان هذا الوضع يصيبه بالام حادة جدا بالاضافة الى احساسه بالاختناق ..فكان يوضع فى وضع الجلوس محاطا بالوسائد فينام هكذا ... هذا اذا استطاع النوم ....
كان سريره بجوار شباك الحجرة التى كان يطل على الشارع فيرى سور مدرسة قريبة عبر الشارع .....التلاميذ يلعبون بالكرة فى فناء المدرسة ..
كان ينظر الى قدميه المشلولتين ويبكى ....حاول مرة الحركة من الفراش فوقع ارضا ....كانت امه على باب الحجرة جرت عليه تحتضنه وتحمله الى الفراش ...بكى ....دفن راسه فى صدرها وهو يقول ....
ليه انا عيان كده ياماما ....نفسى انام زى الاول ......نفسى يخف الوجع بقى ...نفسى اروح الحمام ونا ماشى ....من غير ماتشيلينى او ازحف ...

لا تجد غير الدموع تجيبه بها .....ياااارب ...ارحمنى .....ارحم طفل مابقاش ليه غيره ....
.الايام تمر و الحالة تزداد سوءا ....صار الصغير لا ينام على اى وضع ...الالام تفتك براسه ...والشلل بدأ يصيب اكثر الاعصاب .....قال الاطباء انه على هذا النحو لا يرون للطفل الا اشهر قليلة جدا....
صارت كالاشباح لمن يراها ......عفت الطعام ...وما افلح معها الاطباء الا ان يحقنوها هى الاخرى بالمحاليل حتى تستمر على قيد الحياة ...الطفل كالجثة الهامدة على فراشه جلوسا محاطا بالوسائد ....راسه اصلع تماما ...جمجمته تبدو كبيرة بالنسبة لملامح وجهه الضامر وفى غير تناسق ..نظرت اليه مليا وهو لا يفتح عينيه الا ليهمس ......آآآى ....وجع جامد ياماما ......وجع فى دماغى ......م...ا....م...ا
كانت تبكى وهى تنظر الموت يزحف تجاه ابنها الوحيد عاجزة ان تفديه بنفسها .......لو يقبل الله ذلك لما تأخرت لحظة واحدة .....يااارب ....ايه ذنب طفل زى ده علشان يتعذب بالشكل ده ..؟؟ ...........تبكى عجزا وتبكى ألما ....فكرت كثيرا ان تحقن الطفل بحقنه هواء فى وريده ......نعم ليمت بسرعة حتى لا يتألم بهذا الشكل ....ليمت مستريحا من عذاباته ....وليقضوا عليها اعداما بعد ذلك ....فستلقى ذلك بكل الترحاب ......همت ذات مرة ان تفعل ذلك ....كان الطفل يتوجع تترنح راسه من شدة الالم ودمعه نازف على خده ....صار غير قادر على النطق بشكل سليم فكان يصدر همهمات الالم ضعيفة متحشرجة فكأنها سكينا تحز فى اعماق قلبها ...مدت يدها مرتعشة بالحقنة الفارغة الى احد الانابيب التى تمد الطفل بالمحاليل ....الدموع تملء عيتيها فلا ترى جيدا ......سامحنى يارب ......الحقنة تمس الانبوب الرفيع .......الطفل يتوجع ...م..ا..ما ...
لم تستطع ....قامت جارية خارج الحجرة وهى تبكى بشدة ...ارتمت على الارض خارج الحجرة منتحبة ......حرااااااام ....حراااااام .....ايه ذنبه ؟؟

استغفرى ربك يا بنتى ...
انتبهت على الصوت ....رفعت راسها لترى شيخا يرتدى جلبابا شديد البياض ذو لحية اشد من بياض الثلج بعمامة كانها تاج من نور ....
نظرت اليه بدهشة وقبل ان تنطق قال مبتسما ....
كل ليه ...وكل سؤال ليها اجابة عنده ......يمكن ما نعرفهاش .....
قامت جالسة تواجهه ....قالت ..... قولى عمل ايه واد صغير زى ابنى يتعذب كل العذاب ده ؟؟؟ مش حرام ؟؟
ابتسم الشيخ قائلا :عارفة قصة الخضر مع سيدنا موسى ؟؟
قطبت مابين حاجبيها استنكارا ثم هزت راسها هزة ضعيفة فاستطرد الشيخ ....لما قتل الخضر الغلام كان ولد صغير ماعملش اى ذنب فى حياته .....اكيد اهله بكوا زيك دلوقت لانهم ماعرفوش ابدا مين قتله ولا ليه اتقتل ......
قالت : لكن ابنى بيتألم قدام عنيا .....مايعيش ويشوف حياته ليه....ربنا اسمه الرحمن ..ازاى بيعذب اولاد بالمرض ...؟؟ ازاى وهو الرحيم ؟؟
ابتسم الشيخ من جديد وامسك بيدها يساعدها على النهوض من الارض وقال ... كل مكانة ليها تمنها .....سألت : يعنى ايه ؟؟
قال : (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً )
سعات يبقى المرض طريق للخلود فى النعيم ....ساعتها يكون الالم بسيط قدام المنزلة دى .....
دققت النظر فى وجهها المبتسم ....التفتت فجأة تجاه فراش الطفل كانها سمعت صوتا ....ثم التفتت لتعتذر للشيخ لتلحق بالصغير لكنها لم تجد الشيخ امامها !!!!!!!
تلفتت حولها بدهشة ....لا احد ....الممر الطويل على جانبى الحجرة خاليا تماما ....انتزعت نفسها من دهشتها لتسرع الى الصغيرالذى شاهدته قد سقط على الوسادة فى وضع النوم الممنوع الخطير عليه جريت بسرعة ...اااابنى ...كانت فى لحظة بجانب الفراش تهم برفعه من رقدته عندما سمعته يهمس بصوت واضح :
مافيش وجع ياماما ......انا خفيت ......
وقعت على الفراش جالسة تمسك بكفه الصغير والعبرات تخنقها ....بجد ...بجد يا حبيبى ....ضربات قلبها اعلى من صوتها وصدرها يعلو بعنف النفس ....همس الصغير .....انا شايفهم ....شايفهم ياماما ......
ادنت راسها منه ودموعها لا تتوقف .....مين يا قلب ماما .؟ شايف مين ؟
همس بضعف : الاولاد ...الاولاد الحلوين ......
توقف تنفسها وهى تحملق فيه .....عيناها تستنطقه ......اغمض عينيه ..شهقت باكية مجددا ....فتح عينيه ليهمس : بينادولى ياماما ....عايزنى ألعب معاهم .......الجنينة دى جميلة ...جميلة أوى ياماما .....
تهز راسها وهى تحتضن راسه بكفيها .....روحى .....روح قلبى .....
همس وعلى وجهه ابسامة : مع ....الس ...لا ...مة......يا..ماما.....
وقع راسها على صدره اجهشت بالبكاء ...حرقة الدمع تخنق تنفسها ........
رفعت راسها عنه وباصابع مرتعشة اغمضت عينيه .....ان لله وانا اليه راجعون .......كان على وجهها ابتسامة ملؤها الرضى وهى تتمتم ..
الحمد لله ..............

...........................................تمت ..................

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق