الخميس، 19 أبريل 2012

اللقاء ....


اللقاء ....
كان احد ايام شهر يناير الباردة ....بعض من رذاذ المطر بدأ يتساقط على الطريق وعلى المارة القليلين المنتظرين على محطة الاتوبيس بمنطقة البساتين....
لاتحمل المنطقة من اسمها شيئا البتة فلا بساتين او اشجار ..فقط مبانى قديمة محيطة باكبر مجموعة من المقابر فيما تعرف باسم مقابر البساتين ...
الوقت ظهرا غير ان الشمس قد احتجبت خلف اوشحة السحاب الرمادية...
بين الواقفين امرأة شابة تحمل طفلا لم يتجاوز العامين لم يكف عن البكاء والصراخ الشديد رغم محاولات المرأة اسكاته..
اتى الاتوبيس غير مزدحم نزل البعض وركب اخرون من الواقفين منهم المرأة وطفلها...وجدت المرأة مقعدا شاغرا بجوار سيدة بدينة تلوح علي ملامحها الطيبة .....
الطفل مازال يصرخ بشكل جنونى .....الاتوبيس يتحرك فى طريقه ....يتعالى صراخ الطفل اكثر عن ذى قبل ..الام تهدهده ...تربت عليه ...تغير وضعه من كتف الى الاخرى ...البكاء يشتد والدموع تبلل وجه الطفل.....الركاب ينظرون بشفقة اليه...... التعليقات تتعالى منهم....وكذلك الاقتراحات....
السيدة البدينة تقول للام :
ماله يابنتى هو بيرضع ...؟ يكون جعان ..؟
تهز الام رأسها نفيا .....- لأ دا مفطوم ..
تسالها السيدة :
- هو عيان..؟
- لأ مش عارفة ماله ...بقاله اكتر من نص ساعة ع الحال دى....
بعض الركاب حاولوا اسكات الصغير بكل الطرق دون جدوى..السيدة البدينة تاخذ الطفل من امه وتحاول هى الاخرى...لكن البكاء يتحول الى تشنج وصراخ حاد...
الام تطلب رقما على المحمول وهى مضطربة جدا .....
- أيوه يا أحمد أنا فى الاتوبيس فى طريقى للبيت....انت فين ؟
- .....................
مازال الطفل يبكى والسيدة البدينة وبعض الركاب يحاولون اسكاته..
- انت قريب من سكتى يا احمد ...الاتوبيس هيعدى عندك بعد دقايق ....أبوس ايدك حاول تجيلى ......مع السلامة
نظرات استفهام تعلو الوجوه...تاخذ الام الطفل وهى تتمتم للسيدة البدينة ...: - ده اخويا ليه محل على الطريق ..
صراخ الطفل يستمر هستريا ثم ينقطع صوته من شدة الاختناق بالبكاء ....الام بخوف شديد تنفخ فى وجهه وتربت عليه تقبله تكلمه ...لكن بلا فائدة ....تحاول اشرابه بعض الماء....لا يشرب ...من جديد صوته الباكى يرتفع ممزقا القلوب....
الاتوبيس يتوقف ...تلتفت المرأة الى تجاه الباب ...يصعد رجل واحد فقط...
تنظر المرأة اليه مشدوهة عيناها متسعتان لا ترمشان ولا تنطق كانما ألجمتها نظرة الرجل اليها....
الرجل يبتسم لها ابتسامة ملؤها الحب والشفقة...
عيناها كانما لا تنظر اليه بل تنظر من خلاله الى اللانهاية..
الرجل يقف بجوار مقعدها ويمد يديه الى الصغير الباكى ويحمله منها ...
مازال نظرها متعلقا به واجمة ......الرجل يحتضن الطفل برقة متناهية...يربط على ظهره....يقرب رأس الطفل من فمه ويهمس له بلطف ....ثم يقبل جبينه فى دعة..
الطفل يخفت بكاؤه رويدا رويدا الى ان يسكت ......
الركاب مشدوهون صامتون منهم من حمد الله هامسا ومنهم من قال :
- هو ده خاله ....
الرجل بدأ يهمس فى اذن الطفل مترنما وهو يحتضنه.....
بوسة ع الخد ده.....وبوسة ع الخد ده
الطفل تبرق عيناه فرحا..
والخد دا لايزعل ويغير م الخد دا
الام عيناها تتلألاء فيهما الدموع ..والركاب كأن على رؤسهم الطير...
واحدة ع الشمال .......الطفل يتحرك ..........والتانية ع اليمين ..
الطفل يبتسم ابتسامة ساحرة ....
والتالتة ع الجبين....دموع الام تجرى على خديها....مشدوهة..
ياحبيب بابا انت ....يحرك الطفل كفه يمسك خد الرجل ......قولى طالع لمين...يهتز الطفل طربا .....جميل بالشكل ده.....الطفل يصدر ضحكة صغيرة قصيرة ......جميل بالشكل ده.....
الام تمتد يدها مرتعشة حذرة فى تستر تحاول ان تلمس يد الرجل الممسكة بالطفل...
الرجل يقبل الطفل على خديه وفوق جبينه ....الطفل يستكين صامتا ثم تغفو عيناه..
الاتوبيس مازال يتهادى على الطريق مقتربا من المحطة التالية ..
الرجل يمد يديه بالطفل النائم كالملاك الى الام التى تبدو مسحورةفتأخذه وتحتضنه صامتة..
الطفل ينام على صدرها بيتسم رغم عيناه المغمضتين ....
الرجل ينحنى مقتربا منها ويهمس لها :
- ابقى غنيهاله بصوت واطى....
يتوقف الاتوبيس ويستدير الرجل نازلا منه ....فى حين صعد بضعة نفر من بينهم شاب اخذ يبحث بعينيه فى الوجوه حتى استقر على المرأة فاتجه اليهاقائلا :- أدينى وصلت خير مالك..؟
تنظر اليه صامتة...يسألها :- هو انت كل ما تروحى مشوار المقابر ده ترجعى عاملة كده ؟؟
الركاب ينظرون بدهشة وتساؤل....الشاب ينظر للطفل ويقول :هو نايم .؟؟
ترد عليه السيدة البدينة : - ده كان مفطور من العياط وقطع قلوبنا كلنا ..
يرد الشاب : - هو كده من يوم أبوه ما مات من تلات شهور ...أصله كان متعلق بيه بشكل مش عادى...
نظرات الاستفهام تحلق فوق الجميع...المرأة تلتفت سائلة الام :
- هو جوزك ميت ؟؟
تجيبها بهزة من راسها ودموعها تلمع على خديها..
سألتها مجددا :
- مين الراجل اللى كان هنامن شويةوسكت الولد ....؟؟؟؟؟
تجيبهاكالمخدرة ....: أبوه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق