الخميس، 19 أبريل 2012

لحظة عطاء

5 مارس 2012

لحظة عطاء

كانت تقبض على يده بكل مافى يدها الواهنة من قوة وهويسيربجوار سرير المستشفى الذى يحملها متجها بها الى غرفة العمليات.
يحاول ان يبدو متماسكا امام عينيها ولكنه فى الحقيقة يكاد يهوى من شدة خوفه عليها ..
- صار لازما اجراء العملية رغم خطورتها.....القلب لن يتحمل اكثر ...
هكذا اخبرهما الطبيب ...
- أنا خايفة قوى ياحبيبى....
قالت والدموع تملء عينيها وهى تخبىء رأسها فى صدره كأنما تهرب من اوجاعها...
بكى رغما عنه وقبل جبينها وربت عليها مشجعا ....
- انشاء الله خير ...
الان يتذكر هذا و صوت عجلات السرير المعدنى على ارضية المستشفى كانه حشرجة الاوجاع جميعها تذبح اعصابه المنهارة..
هاهى الغرفة وها هى حبيبته تفارقه لمدة عشر ساعات ...هى المدة التى حددها الاطباء كحد ادنى للعملية..
لا تريد ترك يده ولا يقوى على سحبها منها..
.قامت الممرضة بفك يديهما وهى تبتسم لهما مشجعة ومن ثم دخلت بالسرير غرفة العمليات وهى تقول له ....
- ممنوع دخولك انت ..
اغلق الباب وظل هو واقفا ينظرمن خلال الفتحة الزجاجية بالباب...ولما لم يعد يرى شيئا استدار والقى بنفسه على الكرسى الموجود بالقرب من الغرفة....وجد نفسه يبكى رغما عنه...
اخرج من جيبه المصحف الصغير الذى لا يفارقه وشرع يقرأ.....ماكان يتوقف الا لينهض ينظر من زجاج الباب ويدعو الله ثم يعاود قراءته للقرآن..
مر الوقت بطيئا ولم يشعر الا بصوت اذان الظهر ....
لقد بدأت العملية فى السادسة صباحا .....ست ساعات مضت.....هل اقتربنا ؟؟؟؟
القلق يسيطر عليه والحيرة والافكار تكاد تعصف به .....
الذكريات تتلاحق كدوامة تبتلعه فى جوفها ....ضحكاتهما معا ...لقاءاتهما ...الاماكن التى شهدت حبهما ....لحظات الالم والوجع وهو يفاجئها بغتة ...دموعها ألما....يبكى من جديد...ينهض ويفرش منديلا صغيرا على الارض بجوار الحائط ويشرع فى الصلاة...
سجد فى الركعة الاخيرة....اقبل على الله بكل وجدانه .....ربما لم يشعر بهذا القرب من الله كما يشعر به الان...
اخذ يدعو ودموعه تبلل الارض ..........يارب نجها ...يارب اشفها....يارب بقدر حبى لك ادعوك لها .....
انتهى من صلاته...ومن جديد اتخذ مكانه على الكرسى يتمتم بادعيته..
فجأة شعر بالنور يغمر المكان من حوله حتى اختفت معالم المكان وشيئا فشيئا بدأ ينظر خلال الانوار طيفا اتيا اليه..
كانت هى حبيبته..اقتربت باسمة منه وهو واجم لا يصدق نفسه ...لم يعد يشعر بما حوله او يرى غير الطيف امامه ...
باب الغرفة يفتح وتخرج بعض الممرضات فى سرعة وارتباك...... اخريات يدخلن واطباء يسرعون الى الغرفة ....حركة مطربة تسود المكان ....فى حين لا يرى هو الا حبيبته امامه....
- محتاجالك حبيبى ....همس طيفها
- انا معاك بكل جوارحى...
- ادعيلى...
- بادعيلك يا عمرى ...(بدأ الدمع يغالبه )
ابتسمت له و مدت يدها الى وجهه ومسحت دمعه ....
- ما تبكيش ...ارجوك ....( مسحت بيدها على راسه) وقالت:
- فاكر الاغنية اللى بنحبها..؟؟
- طبعا حياتى ...
- طيب ممكن اسمعها منك ....
دون وعى منه بدا صوته الواهن كالمسحور يغنى...
- حبيتك انا ... حبيتك ...ولو ان الحب اللى جمعنا مبقاش له مكان زى زمان ابدا ولا معنى....حبيتك........خد قلبى وهات قلبك هاته ...يابو قلب حياتى فى دقاته.....والحب دا عقد من الياسمين وقلوب العشاق حباته ....
تبتسم له وتنهض واقفة .......خد قلبى ......تتراجع الى الوراء ......وهات قلبك هاته ....تلوح بيدها مودعة ......يابو قلب حياتى فى دقاته .....تتجاوز غرفة العمليات وينسحب النور معها للداخل ....
ملامح المكان تعود الى وضوحها ....يستفيق على الوضع من حوله...وفجأة يصيح والدمع يترقرق فى عينيه وصوته يميل الى البكاء راجيا....خد قلبى وهات قلبك هاته .....هاته ...هاته..
باب الغرفة يفتح ويخرج الاطباء ترتسم على وجوههم بسمة امل ...
يتجهون اليه ..يقول كبيرهم :
.....الحمد لله العملية تمت بنجاح بفضل الله ....صحيح مرينا بفترات رهيبة لكن الحمد لله الوضع استقر الان ..
ينظر اليهم صامتا .....اقترب الطبيب منه وهو يقول :
- اطمن بقى....... انت كمان تعبت ...
لم يجيب النظرة صامتة تلفه .....الطبيب يضع يده عليه بقلق وتوجس ....يالله لقد مات ......قلبه متوقف والنبض معدوم
هرع اليه الاطباء يحاولون اسعافه ...لكن دون فائدة.......
اشد ما حيرهم تلك البسمة الراضية التى غمرت وجهه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق