الخميس، 19 أبريل 2012

البديل ...

25 مارس 2012



البديل ...


ازاح الرجل الباب الحديدى الكبير بكلتا يديه فأصدر صريرا حادا كأنه حشرجة الاموات .....دخل الى البيت القديم داعيا رفيقه الذى يحمل حقيبة منتفخة في يده الى الدخول وراءه .........المنزل قديم متصدع مكون من دور ارضى واحد ....
قال الرجل ذوالبالطو الاسود لرفيقه الشاب .....:
البيت يعتبر مكسب ليك ثمنه برخص التراب ...اعتبر نفسك بتشترى الارض......بكرة تهده وتطلع بيه عمارة ...مساحته كبيرة زى مانتا شايف ..
اجتازا الاثنان الممر الحجرى الطويل من البوابة الحديدية حتى اقتربا من الباب الخشبى الداخلى ....
سأل الشاب : وصاحبه القديم مات ازاى ؟؟
اجاب الرجل وهو يفتح الباب الخشبى الذى امحت الاتربة لونه :
محدش عارف بالظبط ....ناس بتقول انه سافر عند ابنه الوحيد فى بلدهم ومات هناك .....وناس بتقول انه مات غريق لما كان بيصطاد مع أصحابه ..
كان أعور أعرج فى حاله ومابيكلمش حد من جيرانه وهما كمان مكنوش بيكلموه ولا بيحبوه ...علشان كده ماحدش سأل عنه ..... يالا ..احنا مالنا
المهم ان ابنه عمل التوكيل بالبيع وخلصنا البيعة دية.....
دخلا البيت .....الظلام يلف كل شيء تحسس الرجل العجوز طريقه حتى وصل الى احدى النوافذ ففتحها ممزقة خيوط العنكبوت التى تشابكت عليها ومثيرة الغبار والاتربة فى وجهه .....سعل طويلا وهو ينفض الجاكت الذى يرتديه ويبتعد عن النافذة....دخل بصيص من نور النهار الى الشقة فاتضحت على اثره بعض ملامح المكان ....
قال الرجل للشاب : المكان زى ما قلتلك مش هتبان قيمته دلوقت ....بس يتهد وتتفرج علىه .....
هز الشاب راسه متمتما وطلب من الرجل ان يتركه وحده ....حاول الرجل ان يظل معه الا انه صمم فغادر الرجل البيت بعد ان اعطاه الشاب مبلغا من المال مقابل سمسرته فى اتمام البيع .......
تلفت الشاب حوله يتفحص المكان ....كانت الصالة التى يقف فيها خالية تماما من اى اثات ....هناك اربعة حجرات مغلقة ابوابها .....نظر اليها متمليا وقال بصوت خفيض .....
ودلوقتى ...ايه السر فى البيت ده اللى خلانى اشوفه عشر مرات فى الحلم وصوت بيقولى اشتريه ؟؟؟
دار فى المكان يبحث حتى وصل الى مفتاح الكهرباء فضغطه فلم يعمل ...حدث نغسه ....الحمدلله انى عامل حسابى ...
توجه الى الحقيبة التى احضرها معه وفتحها ثم اخرج كشافا كبيرا منها اناره فشع الضوء القوى فى المكان .....
بدأ يتفحص كل ركن من الصالة ...لا شيء غيرالاتربة والحشرات وخيوط العنكبوت ...بدا يفتح الحجرات ....امسك بالكشاف فى يده ....الحجرة الاولى خالية تماما .....الثانية ....فارغة من كل شيء .....الثالثة كسابقتيها ليس فيها الا التراب يغطى ارضها وجدرانها الكالحة .....الاخيرة يضغط بابها فلا ينفتح ....؟؟
حاول مرة اخرى ....لا يستجيب ....يبدو انه مغلق بمفتاح ....لم يجد بدا من التراجع الى الوراء خطوات ثم بكل قوته خطى خطوة قافزا بكتفه ليصدم الباب الذى انهار به على الارض ليسقطا معا فيصدر صوتا كالانفجار ولتعلو سحابة شديدة من الغبار والاتربة كادت تخنقه .......اخذ يسعل بشدة وهو ينهض مبتعدا الى ناحية باب الشقة فيفتحه باحثا لرئتيه عن هواء نقى و ليرى نور النهار .....
ازال الغبار العالق به وعاد مجددا الى داخل الشقة غالقا بابها وراءه ...
تقدم تجاه الحجرة الاخيرة ونور الكشاف يسبقه ....مر على الباب المتهدم ونظر خلال الحجرة ثم عقد مابين حاجبيه دهشة وغضبا ....ايه ده ؟؟؟
لم يكن فى الحجرة شيء على الاطلاق !!! هى كسابقاتها !!!!
وقف متغيظا حائرا ثم التفت ليخرج من الحجرة وفجأة توقف مكانه متسمرا وببطىء شديد عاد بجسده الى الحركة السابقة .....دقق النظر فى الحجرة....لقد خيل له لبرهة انه شاهد انعكاسا على احد الجدران عندما تحرك عليه ضوء الكشاف ...
.اقترب اكثر داخل الحجرة ...دار بالكشاف على جدرانها الاربعة ...لا شيء اطلاقا ....من جديد .....لا شيء ......مرة اخرى .....لاشيء ....
صاح غاضبا وهو يخرج من الحجرة ....اللعنة !!!!!!!!!!! ...................
....من هنااااااااا .....
شلت حركته وهو يسمع الصوت الغريب واضحا جليا صادرا من جوف الفراغ فى الحجرة ....
التفت مذعورا ....نظر فى كل الانحاء ...لا يرى احدا ....تراجع بسرعة ليصطدم ظهره بجدار الحجرة والكشاف فى يده يلف المكان يمينا ويسارا بسرعة وهو يقول محدقا فى اللاشيء ...انت مييييييييييين ؟؟
الصوت من جديد لكن بهمس اشبه بالفحيح ...من هناااااااا....
قوة خفية تجعله مازال ماكثا فى الحجرة وفى البيت كله ......قوة خفية تمنع الخوف ان يجبره على العدو هربا ......ربا كانت ذات القوة التى ارته البيت فى حلمه اكثر من مرة آمرة اياه بشرائه ......
الصوت مجددا بهمس اكثر كانما ابتعد الى زاوية من الحجرة ...من هناااا....
شعر الشاب ان الصوت يحددله مكانا ما فتقدم بخطوات حذرة مرتبكة تجاه ما شعر انه مصدر الصوت ......وصل الى احد الاركان ...الزاوية عند ملتقى الجدارين ...لا شيء .....تفحص الحائط بيده ....الاتربة والعنكبوت فقط ...
....هنااااا .....
قفزالى الخلف مرعبا ....الصوت الفحيح كان صادرا من اسفل قدميه ...
سلط الكشاف على الارض عند الزاوية ...اقترب ودقات قلبه تدق بعنف فى اذنيه ...ركع على ركبتيه .....بيد مرتعشة يتحسس الارض ....ازاح التراب الكثيف ...بعض الحشرات تجرى مفزعة ....تصطدم يده بشىءحاد .....ادنى الكشاف على الارض ليشاهد مقبضا حديدىا لغطاء من الصاج الثقيل .......
ازاح الاتربة عنه وحاول ان يرفعه ..كان ثقيلا .....حاول بكلتا يديه ...تمكن من رفعه ليسنده على الجدار وليكتشف انه غطاءا لباب اسفل الارض فيما يشبه القبو ......يرى على ضوء الكشاف اول درجات السلم الحجرى ..الهواء الفاسد المكتوم يهب عليه من اسفل كأنه زفرات الاموات ..
ممكن يكون هو ده السبب ؟؟ حدث نفسه ...انحنى على الفتحة الارضية اكثر ومد يده بالكشاف الى ما بعد الدرجة الاولى من السلم يحاول ان يستكشف خبايا المجهول ......لم تمكنه وضعيته من مشاهدة شىء غير الدرجات الحجرية ......
ااااااانزل ......فحيح المجهول يأمره .....سرت القشعريرة فى جسده كالمنوم مسلوب الارادة ......كأنه اعتاد الصوت ...نزل الدرجات منحنيا متلمسا طريقه الى الغموض .....
يقف الان وسط قبو خانق لا منفذ فيه للعالم الخارجى اللهم الفتحة التى اقبل منها ....الجدران لونها اسود عليها حروف وارقام ورموز ورسومات غريبة .....كتبت بالطبشور الابيض ....الارض ترابية ....لترابها نعومة لزجة كانه تراب القبور ........القبور!!!!!............. القبور ؟؟؟؟؟
ممكن يكون ده قبر ؟؟؟.................سأل نفسه وقد بدأ الخوف يتملكه ..
بسرعة تراجع متجها الى السلم الحجرى وما كاد يصل الى اول درجاته حتى سمع الصوت المذبوح ................هناااااااااااااااك ......
التفت يمينا وضوء الكشاف كانه امتداد لبصره .....شاهد فى زاوية القبو مايصدر لمعانا مع سقوط الضوء عليه .....تقدم بسرعة الى اللمعان ....انحنى على الارض ...بحث فى التراب ليجد جوهرة كبيرة .....تسارعت انفاسه وابتسم فرحا .....مسح الجوهرة فى ثيابه وسلط عليها النور فبرقت بلمعان مدهش متوهج .....ضحك ....قهقه.....رفع راسه الى اعلى وهو يمسك بالجوهرة ......صاح وسط ضحكاته ....أيوه كده ...أيوه كده..
........ خطر له خاطر .....هل يكون هناك اخرى ؟؟
وضع الكشاف على الارض واخذ ينبش التراب بيديه ....هنا ......وهنا .....وهنا........وهنااااك .....هذه الزاوية .......وهذه الناحية......وتللك الجهة ......ماهذاااا ؟؟؟
يده تتعثر بجراب ملفوف برباط محكم .....تتسارع دقات قلبه ....حبات العرق تزحف على جبينه وعنقه من الجو الخانق .....يلهث يمسك بالجراب يفك الحبل من عليه .....يفتحه .....بضعة ورقات صفراء وزجاجة سوداء صغيرة جدا ....القى نظرة على الاوراق ......بها كتابة بعضها بالعربية وبعضها رموزا واشكال كتلك التى نقشت على الجدران ....مسك بها فى يد وقرب الزجاجة الصغيرة من انفه باليد الاخرى .....لا رائحة لها .....تأملها جيدا..... سوداء لا يظهر منها شىء.....امسك بها وببطىء فتح الغطاء ...
رائحة كريهة تخرج منها مع خيط من دخان اسود انتشر فى غير تناسب مع حجم الزجاجة ....القاها بعيدا عنه واخرج بسرعة منديلا من جيبه ليضعه على انفه .....الدخان الاسود يرسم ملامح شخص على الحائط ....الصورة تتشكل وتتجسد ...الشاب يتراجع بسرعة مذعورا يتناول الكشاف ويجرى الى السلم الحجرى ...يقفز الدرجات وىكاد يصل الى المخرج واذا بالغطاء الصاج ينغلق بعنف قاذفا فى وجهه الغبار والاتربة فيقع ساقطا على الدرجات يتدحرج صارخا ساعلا.....سقط منه الكشاف ارضا ..من سقطته رفع راسه ليشاهد ذلك الشبح الهلامى المتكون على الحائط ينظر اليه .....يتكلم بصوت كأنه صادر من اعماق القبور ......أقرأ ...أقرأ ......الورقات .......نفذ ......ستكون لك ألف ألف حياة ......الدنيا بما عليها ..........نفذ .....نفذ .........الااااااااااااااااااااااااااان ............
اختفى الكائن الدخانى .....وكأنما مس الشاب مسا بسحر طاغى..قام ...اقترب من ...الكشاف وجلس كالمغيب ....امسك الورقات واخذ بلا تفكير يقرأ ما فيها ......
بدأت بسم القوى رب السبع الطباق السفلية ......
بدأت الكلمات على الجدران من حوله تلمع........
اقسمت عليك ايها الملك ناصور بالحضور .........الكلمات تشع بريقا وصوت همهمات تلف القبو .......الرجفة تتملك منه .....
بحق اشحالش ...اشحالش ......الهمهمة تصير صوتا كانه الترانيم .....
سمبس كريسيس ......أوت ديكريسيس ...فيتا ديستاااااابيلييييييييييييس
شحقالش ....شحقالش .......أشقاهوش ...أشقاهوش...
جسده يرتعد بالرغم عنه ....وراسه تتمايل يمينا ويسارا ...
ايجستاتاتيم .....بوتستاتاتيم ...ديزولفيت أون جلاسييييييييييييييييييييم...
ارتجت الاراضين السطحية بالسفلية....آجب بحق شرووم شهرووم ....
تزداد الرعدة فى جسده وعيناه تتسعان فى احمرار ....
سور سالوتيس ...اميندو توتاليس ....ميهى نون كونتار سيدييييييييس
القبو يمتلء بدخان ازرق واحمر واخضر يتجادل كالضفائر سابحا فى فراغ القبو .....
ينظر الى الورقات وينطق كانما الصوت يخرج منه وحده والترنيمة السحرية تتزايد وتيرتها مع توهج الطلاسم على الجدران ..
سانتوس سيراديس......كالس حاديس .....فيرا سا  دااااس    مينيييييييس ....
الدخان الملون يدور بعنف كالدوامة فوق راسه .....
آجب يا ساكن الجحيم ...بسر حرف الجيم ومن معك من الطهاطيل ...
كود بير سورتيم ...سيتربيت فور تيم....ميكو آرما نيس بلاتييييييييييم...
احضر الان ....الان .....الاااااااااان ........الوحا الوحا ....العجل ...العجل ....الساعة الساعة ....جسده يهتز مرتعدا ويقف وراسه الى الخلف بشكل مرعب ...عيناه بلون الدم ...الدخان تضيق حلقة دورانه من حوله ....هو الاخر يدور على عقبيه فى عنف عكس دوران الدخان ......الجدران تشع انوارا حمراء ملتهبة ....حلقة الدخان تضيق اكثر فاكثر ولونه يزداد سوادا....هو يدور وراسه تكاد تلمس ظهره ......الاحمرار يتزايد .....يصير نارا من الحروف والطلاسم ... الدخان يلف جسده كله ......اصوات حشرجة عالية مرعبة ...صرخة من اعماق الجحيم تدوى فى المكان .......يختفى الدخان ومعه الشاب ..........جسد آخر يظهر على ارض القبو ..واقعا على وجهه ..
ينهض صاحبه فى بطىء وضعف ....جسده عاريا الا من اسمال بالية تستره ....يمشى بعرج فى رجله يلتقط الجوهره من الارض ....يرفع وجهه تظهر على ضوء الكشاف ملامحه وعينه العوراء ...
يفتح ذراعيه ويضحك ضحكة مرعبة مجلجلة صارخا ...أنااااااااااااا حر ....

.......................................تمت ......

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق