الأربعاء، 23 أغسطس 2023

 

كنت في كربلاء
ــــــــــــــــــ
قصة بقلمى / علاء الدين هدهد
..
نعم كنت هناك
عندما انبلج صباح العاشر من محرم على صخب تلك الأصوات المتجمهرة وتعاليها بالصياح تارة وبالتكبير تارة وبترديد اسم يزيد خليفة المسلمين تارات أخرى .
كنت واقفا اراه وقد اشتد به العطش الشديد فرفع كفيه يدعو الله بكل خشوع وإذا بى أرى المسيح عيسى بن مريم بين السحب في هالات من نور يردد ..
يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّه هذِهِ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِه بَلْ إِرَادَتُكَ .
كنت أراه وقد جلس امام خيمته فغفت عيناه لحظات فأتته اخته زينب فإنتبه ناظرا إليها وفى عينيه فيض من مشاعر مختلفة وقال لها بصوت واهن أن رسول الله اتاه فأخبره أنه راحل إليه ..!!
نعم يا بن فاطمة الزهراء يابن علي
نعم يا بن رسول الله يا حسين
...انه الموت يرفرف بأجنحته السوداء في كبد السماء
.. جف الفم الطاهر عطشاً فإلتصق اللسان بسقفه .. فحتى مجرد شربة الماء قد منعوه وكل أهل بيته إياها نكاية بهم واذلالاً لهم .
كنت أراه وهو يلقى ببصره على كل تلك الألاف المتجمعة بعتادها وسيوفها ورماحها تطلب قتله .
ثم ينظر خلفه ليرى ابناءه وإخوته وأبناء أخيه وأهل بيته واتباعه وكأننى به يتأسف لعدم اجابتهم مطلبه لهم بالرحيل وتركه ليواجه مصيره وحده .
* نحن فداك يا حسين * قالوها جميعاً
وكيف لا يكونون فداك وانت فلذة كبد رسول الله وقد رأك والحسن سيدا شباب اهل الجنة ؟؟
وكيف لا نكون كلنا فداك وانت الأثر الباقى من ذلك النسل النبوى الشريف ..
كنت أراه وقد تقلد سيفه وجهز اتباعه ووزع جنده وحصن بالنار وراء خيامه استعداداً للقتال ..
واذا بصوت شمر بن ذي الجوشن يرتفع صائحا
يا حسين ... استعجلت النار في الدنيا قبل الأخرة فهى لك في الدارين
صحتُ عليه غاضباً
بل قُبحت ولُعنت في الدارين أنت ومن معك .. النار لك لا له
..
هاجت الأصوات وهمهمت وزمجرت وارتفعت اسنة الرماح والسيوف وانطلقت من اقواسها السهام كزخات المطر ترشق اتباع الحسين
صوت حسين يعلو في الأفق
ويحكم !! انظروا من أنا ... هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي ألست ابن بنت نبيكم وابن وصيه ؟؟
وكنت هناك اسمعهم
اقتلوا الكذاب ابن الكذاب ..
واسمع صوتاً من بينهم ينفجر فيهم
ويلكم !!! نحن قاتلنا مع علي ومع ابنه من بعده آل ابي سفيان والأن نعدوا على ابنه وهو خير أهل الأرض نقاتله من اجل آل معاوية وابن سمية الزانية ... ويلكم !!
ثم تصيح أصوات فتتداخل لتغطى على صوت المنادى ... نفذوا امر واليكم عبيد الله وامر امير المؤمنين يزيد بن معاوية
اقتلوا الحسين واذبحوه وجردوه وقطعوا جسده قطعا
اشتد القتال ووقع الكثيرون من اتباع الحسين قتلى
كنت هناك .. نعم أرى وأسمع
شمر ينادى على جنوده هدوا عليهم خيامهم ... لا بل احرقوها ..
ثم انطلق كما الشيطان تجاه خيمة الحسين يحاول تقويضها وصاح برجاله ... النار النار حتى احرق هذا البيت على اهله وكل من فيه .
كنت هناك ارتعد غضباً وسخطاً
وأنا أرى التمثيل بجثث من يسقط من اتباع الحسين وأرى الرؤوس تنحر من اعناقها فتعلق في اعناق الجياد
سقط الحسينيون تباعاً فداءً للحسين
وانتصف النهار فتزاحم أبناء الحسين واخوته على التقدم للقتال فخرج ابنه على ليواجه جحافل الهوجاء الطغاة
صحت عليهم ..
ويلكم ويلكم
هذا غلام الحسين اشبه الناس خُلقاً وخَلقاً برسول الله .. اياكم وقتله ... اياكم وقتله
قاتل الغلام قتالاً شديداً، ثم عاد إلى الحسين منهك القوى لاهث الأنفاس .. توقف امام الحسين وقد انزل درعه عن ذراعه وهو يقول بوهن وضعف يا ابت .. العطش قد قتلني، وثقل هذا الحديد قد اجهدني .
بكى الحسين ... جرت دموعه الطاهرة فبلت لحيته وهو ينظر الى ابنه عاجزا ثم ينظر الى السماء فيعلو صوته باكيا راجيا ... واغوثاه... يا الله.. اين لي بالماء...
ثم توجه لأبنه رابتاً على كتفه مشجعاً له وقال : قاتل يا بني قليلا، واصبر على مر كأس كتبت علينا فما اسرع الملتقى بجدك محمد فيسقيك من يده شربة احلى من الشهد ..
رأيته ينطلق مجدداً وسرعان ما رماه احدهم بسهم اخترق حلقه فسقط ثم هجموا عليه فنحروا رأسه وهم يكبرون .
انفجرت سحابتان من نور وإذا أنا بعلى بن ابى طالب وفاطمة الزهراء قد اقبلا يحتضنان على بن الحسين ففاضت روحه الشريفة الى حضنهما وهما ينظران الى الجمع ثم ينظران الى الحسين دامعين .
وسرعان ما توالت أرواح الشهداء ترتقى لتلتقى في أحضان على وفاطمة فيهدهدانهم ويبشرانهم بالخير
فهاهو العباس وجعفر وعبدالله ومحمد وأبو بكر وعثمان وغيرهم الكثير والكثير حتى ضجت الأرض من دمائهم الطاهرة وكأنها تصرخ أن لا قبل لى بضم هذه الدماء الزكية ابدا
نحرت رؤوس الشهداء لينغرس في كل منها رمح طويل ثم رفعت فوق الرماح يتباهى بها جنود يزيد .
توالت منايا الأبناء والاخوة على فؤاد الحسين كما الطعنات تمزقه وتقطعه ارباً واصوات البكاء والنحيب من السيدة زينب ومن معها تقتلع ما بقى من روحه فإنطلق كما السهم يريد اللحاق بركب تلك الأرواح الطاهرة فطاح بسيفه يميناً ويساراً والفرسان يفرون من امامه خوفاً وهلعاً حتى صاح فيهم شمر بصوت منكر صريخ .
ويحكم ماذا تنتظرون ؟ اقتلوه ثكلتكم امهاتكم .
فحملوا عليه من كل جانب، فضربت كفه اليسرى ضربة وضرب على عاتقه، ورمى بسهم اصاب نحره ثم انصرفوا عنه وهو يقوم ويكبو، فهجم عليه في تلك الحال احدهم فطعنه بالرمح فوقع، ثم قال لأخر احتز رأسه .... تقدم الرجل من الحسين والدماء تغطى صدره وتنساب نازفة من أكثر من موضع فيه
امسك سيفه ونظر الى وجه الحسين واذا بصوت جهورى رهيب يملأ مابين السماء والأرض يصيح ... أنا من حسين وحسين منى ..ارتجف الرجل وأرعد وصاح لا ... لا افعل ... لا افعل ... هذا وجه رسول الله ... فصاح فيه شمر .. فت الله عضديك وأبان يديك، انك تهزى يارجل ... فنزل عن جواده الي الحسين فنظر الى وجهه وزم شفتيه وعصب مابين حاجبية وضغط اسنانه كإنما يستمد القوة من داخله فأهوى بسيفه على عنق الحسين فذبحه واحتز رأسه فرفعها في يده عالياً وهو يهمهم ..
انطلقت الرجال الى جسد الحسين تنزع عنه ثيابه فيتخطفونها حتى تعرى متسربلاً بدمائه فأقدم غيرهم على جثمانه يدوسونه بالخيول حتى هتكوا اعضائه ومزقوه شر ممزق
انطلق صوت زينب صارخاً ناحباً كما خنجر يشق الفراغ حتى ابواب السماء :
يا محمداه، يا محمداه، صلى عليك ملائكة السماء، هذا الحسين بالعرا، مرمل بالدماء، مقطع الاعضاء، يا محمداه وبناتك سبايا، وذريتك مقتلة منحورة الرؤوس والأعضاء ...
استحال النهار عتمة وقد سادت الظلمة صفحة السماء..
لم أعد أرى نور علي ولا فاطمة بين السحب
اسودت الرؤى تماما كإنما حل الظلام على سطح الأرض
ثم دارت الأرض لتنكشف عن بؤرة ضوء رأيت فيها ركباً من نساء الحسين ومن بقين من اهل بيت النبى مقيدات ومقادات اسيرات في ذلة وانكسار
دارت الرؤى ثانياً
فهذا يزيد وقد وضعت امامه رأس الحسين وهو يضرب فيها بقضيب من حديد بمقت وغيظ
ثم دارت الرؤى مجدداً
فهذا رجل يسأل مشايخه
ماذا تقولون في يزيد بن معاوية ؟ فيردون إن مذهبنا ألا نحبه ولكن لا نسبه
!!!!!!!!!!!!!!!
وهذا مشهد آخر لأناس فرحين مهللين يأكلون الحلوى ويقولون هذا يوم العاشر من محرم نحتفل به لأن الله نجا فيه موسى من فرعون !!!!!!
تمت
ـــــــــــ
بقلمى / علاء الدين هدهد

قد تكون صورة ‏نص‏

الأحد، 19 فبراير 2023

 

فى حضن الركام
ـــــــــــــــــــ
استيقظ كعادته من نومه المتقطع ... احكم الغطاء على ظهر زوجته ونزل عن الفراش ليتجه إلى غرفة بنتيه الصغيرتين ليتفقدهما ..هل الغطاء محكم عليهما فى هذه الليلة الباردة أم انكشف من جسديهما النحيلين طرف دون غطاء ..
دخل الغرفة على الضوء الخافت بجوار الفراش .. الصغيرتان تغطان فى نوم هادىء والغطاء يلفهما ...ربت بيده عليهما واتجه ليخرج من الغرفة فى اللحظة التى شعر فيها بتحرك الأرض من تحت قدميه فى هزات سريعة متتالية كما ارجوحة يتقاذفها الهواء ... شله الفزع والمفاجأة للحظة واختل توازنه ...حاول التمسك وهو يقع ناظراً إلى فراش الصغيرتين وانطلقت منه صرخة على الطفلتين وهو يسمع طقطقة تشقق سقف الحجرة كما فرقعة مفزعة ... شاهد الحوائط تتساقط كتلاً وسمع اصوات سقوط وتحطم العديد من الأشياء كما اتاه صوت صراخ زوجته تناديه فى اللحظة التى سمع صرخات الطفلتين فى فزع ورعب .. ساد الظلام الغرفة... مد يده يمسك بطرف الفراش وهو يصيح على الطفلتين ليطمئنهما .... أنا هنا ... أنا ..هـ....
وفى لحظة شاهد رغم الظلام سقوط سقف الحجرة مطبقاً عليهم فى ذات اللحظة التى انشقت فيها أرض الغرفة فى عدة مواضع متهاوية لتبتلع الفراش ويسقط هو مرتطماً بقوة وعنف فى قطع من الحجارة والاتربة ..
اجتاحته أوجاع خاطفة ألمت بكل جسده حتى ما شعر بها من شدتها وهو يهوى متخبطاً ..
شقته بالدور التاسع فى العمارة التى هوت كلها فى ثوانى معدودات .
فقد الوعى لمدة لا يعلم قدرها ... هل هى لحظات أم ساعات ..ربما كانت رحمة من الله تلك الإغماءة التى اصابته ..
..
فتح عينيه ...لا يرى شيئاً ... يدرك أنه نائم على ظهره .. لا يشعر بطرفه السفلى اطلاقاً ... حاول تحريك يده اليمنى ... لم يستطع ..هناك شىء يقبض عليها بقوة يمنعها من الحركة..حاول تحريك اليد الأخرى .. تحركت فى مسافة ضيقة حتى استطاع وضع كفه على صدره ..هناك قطعة كبيرة عريضة كجدار أو جزء من سقف يطبق عليه عدا مسافة قبضة يد من رأسه وصدره .. الظلام دامس حالك ... نفسه يتردد ببطء .. ألم حارق شديد بدأ يستوعب وجوده فى جزءه الأسفل و الذى سحقه الحائط الجاثم فوقه .. حاول أن يلتفت برأسه يميناً أو يساراً .. استطاع ذلك فعلاً ومازال الظلام يتكتل طيات تمنعه من رؤية اى شىء ..
فى لحظة تذكر الطفلتين .. خفق قلبه ملتاعاً ...صاح بأسم الأولى ..خرج صوته مبحوحاً مخنوقاً ... شعر ببعض الأتربة فى فمه ... بصق ... أعاد البصق ... سعل .. أعاد السعال ... كاد أن يختنق ...واثناء سعاله ظن أنه سمع صوتاً ..
بابا ... بابا ...
كان الصوت واهناً خافتاً .. انها طفلته الصغرى ..
حاول التماسك والهدوء ... ابتلع بصعوبة ما فى فمه من اتربة ليستطيع النطق .. .... أنا هنا يا حبيبتى ... ماتخافيش .... سمعانى ..
ارهف السمع ... مرت برهة .. كرر نداءه .. حبيبة بابا ..!!!
صدرى يابابا ... صدرى بيوجعنى ..
اتاه الصوت المذبوح الواهن ... شعر بالألام تعصف به من وهن الصوت وهو الذى ماعاد يشعر بأوجاع جسده المسحوق تحت الركام ..
انسابت دموعه وهو يرد على الصغيرة .. انت لوحدك يا حبيبتى ... اختك ...
اختك معاكى ؟؟
مرت برهة طويلة وهو ينصت .. اتاه الصوت الخائر ... مش شايفة يابابا ..
..
صاح ينادى بأسم ابنته الأخرى ... مرة ... ثم مرتين .... لا اجابة ..
عاد يكلم الصغرى ... حبيبتى ... تعرفى تتحركى ..
اتاه الصوت ضعيفاً .. المكان ضيق يابابا ... فيه تراب كتير .. والحجر ده فوق صدرى بيوجعنى ..
حاول ان يشجع الصغيرة ... طيب يا حبيبتى معلهش ... تقدرى تبعديه عنك .. او تتحركى انت بعيد عنه ..
لا رد .... لا صوت .. ظل يكرر كلماته للصغيرة دون استجابة منها ..
مرت برهة
صارت ساعة
صارت دهراً من بحور الظلام ..
افاق على الألم يجتاح كل جسده
شعر بما بقى فيه من بقايا القوة ينهار
كاد أن يستسلم لنهايته عندما اتاه الصوت هامساً
آه ... آآآآآآه ...
استجمع ضعفه على وهنه ونطق بصوت بالكاد سمعه هو
حبيبتى ..
الصوت المكتوم يهمس .....بابا ..... فيه وجع يابابا ... حاجة مغروسة فى صدرى..
عطشانة قوى
..تعالى يا بابا ..
..
انهمرت دموع العجز فمنعته عن النطق ..
ومن بين الحسرة واليأس ومصارع الألام ما استطاع إلا ان يهمس .
.. يااااارب .. يارب .......رحمتك يا رحيم ..
ثم شهق شهقة نفسٍ مكتومٍ مخنوقٍ ثم شعر بنفسه كمن يسقط فى عمق سحيق دون قرار أو هواء ...
يسقط مسحوقاً ...
مخنوقاً ....
يسقط عاجزاً عن كل شىء ..
....
مرت ساعة
مرت ساعات
وزادت الساعات
وانسلخ من عمر الدهر يوم
مرت أيام ..
.....
...
الأصوات تتعالى
الأنوار تجتاح الظلام
الحجارة تتحرك
الكتل الخرسانية تنزاح
تمتد الأيادى لتلتقط الجسد النحيل فتنتشله من بين الركام ..
العينان تنفتحان فى براءة ملائكية
الصوت الواهن اشتد وهو يقول لعمال الإنقاذ
بابا جوه يا عمو ..
بابا مع اختى
كان بيشربنى أنا وهى اللبن
هاتهم والنبى ياعمو !!!!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــ تمت ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قصة بقلمى / علاء الدين هدهد

قد تكون صورة ‏‏شخص أو أكثر‏ و‏تحتوي على النص '‏‎SKY NEWS SCREEN SCREEN GRAB‎‏'‏‏

الجمعة، 18 يونيو 2021

 

العامة

دقائق فى الجحيم !!!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قصة بقلمى : علاء الدين هدهد

مضى زمن لا يعلم قدره أحد وهو واقف ضمن الحشود المتلاصقة ترتعد فرائصهم رعباً وهلعاً يتمنون جميعاً إنتهاء ذلك الإنتظار الذى يظنون أنه منذ دهور طويلة قد بدأ .
لحظة وانفجرت اصوات ترفرف فوق الرؤوس ..... بنظرات ملتاعة مشوشة حاول أن يدرك ماهية تلك الطيور التى ترفرف بعنف مصدرة تلك الأصوات
اقتربت أكثر وأكثر وأكثر ...... ويلى !!!! إنها ليست بطيور ....إنها كتب تفر صفحاتها السوداء متلاطمة ..
تنطلق الكتب بصورة مرعبة كأنها ستطيح برؤوس الواقفين .... حاول أن يرفع يده اليمنى ليمسك بذلك الكتاب الأسود الذى سيصطدم به فلم يقدر .... يده كما المشلولة لا حراك أو روح فيها ...الكتاب يقترب كالسهم أمام عينيه الجاحظتين فما شعر إلا ويده اليسرى تمتد بسرعة ليلتقط الكتاب ..
قبضت اصابعة على الكتاب وعندئذ وقر الصوت المهيب يرج عليه أركان ذاته رجاً ...( اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ) ..
تتوالى الصفحات سوداء أمام عينيه ورغم السواد يستبين كل ماسطر فيها
ما كان يدرك ان له تلك المقدرة على التصفح بتلك السرعة رغم ثقل الكتاب ورغم صفحاته الكثيرة عددا والمليئة نصاً ... تمر عيناه على كل صفحة فيتذكر ويدرك ويشعر ويشم ويعايش كل فعل وكل أمر سجل فى الكتاب كأنه يحدث الأن .. كلما قرأ فعلاً من أفعاله شعر بروحه تنسحق سحقاً وبكيانه يتزلزل زلزلة عظيمة ..شعر ان الجمع المحيط به يرى صفحات كتابه بل ويقرأ معه كل ذلك الكم من الفضائح والأفعال المشينة .... دقات قلبه صارت تنطق ويلاً ويلاً ... جسده يرتعد هلعاً ... تنفسه يمزقه شهقاً وزفراً .... ترى هل هناك عذاب بعد هذا !!!!! .. مر ببعض السطور بدت منيرة وسط السواد الحالك .... ضوءها باهت ضعيف لا يقوى على مغالبة ظلام الصفحات ... انتهى الكتاب واذا بلسانه ينطق واذا بسمعه يسمع صدى نفس الجملة يتردد من حوله كما الأنين الطاغى فى ندمه وحسرته الغارق فى وجعه وألمه ..
يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ..... وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ... يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ...
أى ندم مر كما الحنظل تعصف مرراته به كأنما تعتصر بفمه وشرايينه !!!
أى قلق مرير يجتاحه فى إنتظار الأتى بعد أن عرف وأيقن مصيره المظلم !!!
واذا بالصوت العظيم الغاضب المهول فى جهوريته ينطلق فكأنما ملايين الأبواق قد انطلق منها .... خذوووووه ...
تلفت مفزوعاً كما الكثيرين من حوله
ارتعد كما العديد من امثاله
شاهد ألاف الأيدى المرعبة الثقيلة ووجوه قاسية الملامح مخيفة القسمات تجتاح المكان كل منها يلبى تنفيذ الأمر الإلهى ... كل منها يقبض على جزء من جسده كما الكلاليب ... كما الخطاطيف ... كما الأنياب ... كما المخالب ... كل منها يمسك بعضو منه فيجذبه .... صرخاته المرعوبة لم تنطلق من فمه بل ماتت على شفاهه التى اخذت ترتعد من هول الألام التى تجتاحه من مجرد الإمساك به ..
ومن جديد انطلق الصوت المدوى العظيم .... ( فغلوه ) ..... تحولت القبضات إلى أغلال حارقة ساحقة تقبض على معصميه فتضمهما إلى عنقه فى قوة رهيبة ... واغلال أخرى تخنق قدميه فتشلهما عن الحركة ..
خر ساقطاً الى الأرض تنزف عيناه دماً لزجا كما الصديد .... كانت كل اعضائه تدوى صرخاتها مرددة كهزيم الرعد أما من نهاية لهذا العذاب .....
ومن جديد دوى الصوت الغاضب مزلزلاً أركانه ووجدانه .
( ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ )....
تخطفته الأيدى القاسية والقبضات الغاضبة لتسحبه سحباً وتجره جراً وهو يتمزق شر ممزق ينظر الى وجوه من حوله .... هناك العديد والعديد مثله يجرون كما يجر وهناك من يقفون ليشاهدوه فى تلك المذلة المريعة ...
لا يدرى كما استمر سحله على أرض ليس بها إلا أشواك حارقة وصخور نارية تتسارع كل منها فى تمزيقه إرباً حتى ترائى له مايشبه البوابة الرهيبة لأسوار شاهقة سوداء تهب منها رياح ساخنة تجتاح كل ما تمر به فتشويه وتصهره ... كانت عيناه تبصر جسمه المتقرح النازف الممزق وجلده يحترق فتصعقه الألام صعقاً .... تجاوز البوابة كمن قذف به قذفاً ليتدحرج بعيدا بعيدا بعيداً وسط نيران يأكل بعضها بعضاً . اختفت الأغلال من معصميه وقدميه ..كانت الصراخات تدوى فى الأجواء من حوله وإذا بصوته الحبيس ينطلق هو الآخر بكل عذابات الدنيا والأخرة .... بكل ألام الأوجاع والمواجع .... بكل ندم الحسرات واليأس ...اترى الأمر ينتهى !!!
دارت عيناه فيما حوله .... النيران تضطرم وتشتعل وتتوهج فى كل مكان ..
وسط النيران أشجار سوداء أوراقها تقطر حمماً ... وسط النيران مبان وطرقات وردهات وسلالم هابطة ..... وسط النيران أجساد مثله يتجرع أصحابها صنوف العذابات المختلفة .... وسط النيران مخلوقات رهيبة المنظر والملامح والقسمات ..
وإذا بالصوت العظيم الغاضب يدوى بغضب أكبر ...
( ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ )
وقعت الكلمات عليه كما طعنات السيوف والحراب تكتسح جسده ..
كان كل حرف من كل كلمة يهوى عليه ككرابيج النيران تمزق جسمه فيذوب منصهراً ..
وما شعر إلا وطرف سلسلة عظيمة لا يرى نهايتها ينطلق كما السهم ... كما رأس الحربة تجاه وجهه اتسعت عيناه رعباً وفُتح فمه هلعاً وكاد أن يصيح صارخاً فإذا بطرف السلسلة الحاد كما الرمح يخترف فمه حارقاً خارقاً متوغلاً ببشاعة ممزقاً كل اعضائه ملتفاً كما الحية مسرعاً كما الريح ليجوب كل باطنه فيخرج منطلقاً من دبره فيمزق روحه تمزيقاً ....
الطرف المنطلق من دبره يعود فيلتف لينطلق مجددا فيخترق موضعاً من جسده فيجتاحه من جديد ..... تقطعت انفاسه .... ذبح صوته الصارخ ... تحول دمه النازف إلى قيوح وصديد .... لماذا لا يموت ...؟؟
الموت ...!!! ...ياله من نعمة عظمى ...... الموت ..!!! ياله من حلم عزيز المنال
اجساد كثيرة تحترق من حوله
اجساد تنصهر جلودها وما تلبث إلا وتعود مجدداً
اجساد تنادى بألم من شدة العطش
أجساد تتلوى وجعاً من شدة الجوع
أجساد تمد لها اكواب من قيح وصديد لتشرب
أجساد تنهش افواهها الأشواك فتمزقها نزفاً وحرقاً ..
وأجساد جديدة كل لحظة تقذف أفواجاً وراء أفواج لتتكدس من حوله ومن فوقه ومن أسفل منه ..
الأصوات تتعالى والصراخات تتعالى والنداءات تتعالى
دوامة رهيبة من الزحام المشتعل تطحن الجميع ..
وأصوات تدوى وسط اللهيب ..... إنها مجرد البداية ... مجرد البداية فقط ...!!!!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تمت ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قد تكون صورة لـ ‏نار‏

الأحد، 13 يونيو 2021

آه يا حلو
ـــــــــــــــــــــــ
آه يا حلو يامسلينى ..... ياللى بنار الحب كاوينى
املى المدام ياجميل واسقينى ..... من كتر شوقى عليك مابنام
...
رمى ببصره عبر النافذة الواسعة إلى ذلك الأفق البعيد الغارق فى عتمة الليل من تلك الساعة المتأخرة.. كان الصوت الشجى لصباح فخرى ينساب من هاتفه المحمول رقراقاً عذباً كأنما يغلف أحاسيسه ومشاعره بهالة غامضة من الحنين
كلما استمع لذلك اللحن خاصةً شعر وكأن ملامحها ترتسم رويداً رويداً على صفحة الخيال وما تلبث إلا وتتجسد باسمة أمامه ..
حبيت جميل ياريتنى ظله ......... حاز الجمال والحسن كله
لما رأيته ملك فؤادى .... صبرت قلبى وحملت ذله
الحقيقة هو لا يعلم ما الرابطة الغامضة التى تربط بين استماعه لذلك اللحن بصوت صباح فخرى تحديداً وبين تلك الهالة النورانية التى تشع فجأة كما بوابة سحرية فتحت على أبعاد كونية شاسعة من الذكريات
هاهى خطوط ملامحها تسبح خطاً وراء خط
تتماوج ... تتقارب .... تتناغم
حاجباها المرسومان كما الوشم الدقيق .....عيناها الساحرتان الخلابتان
بحة صوتها الغانج وهى تتحدث هامسة ....
.... بسمتها التى كانت تأسره فلا يروم منها حرية أو انطلاق
أبيض ويا يالون الياسمينى ...... ياللى على خدك شكل الوردة
وحياة خدودك والجبينى ...... انى أسير الغرام ده
مازال يحتفظ بصور عديدة لها .... كذلك بعض المقاطع المصورة وهى تحادثه....
فى ليال كثيرة كليلته تلك كان ينسل بعيداً حتى عن الدنيا بما فيها .... بعيداً عن زحمة مشاكله ... عن افكاره ومشاغله ... بعيدا حتى عن نفسه .... ثم يسمع تلك الأغنية مراراً وهو يعيد السباحة فى بحور تلك الصور لها حتى يغرق تماما فى كون موازٍ لا يستطيع أحد أن يصل إليه فيه
يا الله !!!!
كم هى شاسعة تلك المسافات بينهما ... وكم هو طويل طويل ذلك الأمد الزمنى الذى باعد بينه وبينها .... ورغم كل ذلك يجدها مازالت تقبع فى ذلك الركن الخفى فى عمق أعماق قلبه .. فهل تراها مازالت تذكره ...
..
ماظن قلبى تنسانى ...... وتزيد فى حبك اشجانى
عد يا جميل عد لى تانى ...... من كتر شوقى عليك مابنام
مرت سحابة بيضاء ناعمة تمسح بحنان وجه الهلال الوليد أخذ يتابعها ببصره ورائحة الورود حول حافة النافذة تملأ رئتيه وهو يستحلب ذكرى أول مرة أخبرته فيها بحبها له .... كان يضغط بشفتيه على اللا شىء كأنما يعتصر تلك اللحظة فيمتص رحيق الذكرى شهداً كما أروع أنواع الخمور ..
أصابعه تنقبض لتمسح باطن الكف كمن يحتضن حبيباً إلتقاه بعد غياب
الكورال مازال يردد مذهب الاغنية ( آه يا حلو يامسلينى .....) بينما هو قد انطلق عبر أثير الخيال والحلم
هاهى تقترب منه
هاهى تمد يدها إليه
هاهى تبتسم فيشع النور متلأ لئاً
هاهى تناديه فما سمع اعذب ولا أرق من صوتها
هاهو يسرع إليها الخطى
هاهو قلبه يسبقه مهرولاً ترتفع ضرباته فى عنف
هاهو يفتح ذراعيه ليضم إلى صدره ذلك الحنين الدافىء
هاهما تلتقى شفتاهما بشوق قااااااااتل ...
اصحى ياللى أمك صاحبتى
خلتك كمان كان فردتى
واختك بترقص على مطوتى
احسن من ايها سرسجى
انطلق الصوت المنكر فظيعا مريعاً شنيعاً ليطعن مسامعه ويزلزل كيانه
نظر متلفتاً مأخوذاً واذا بتوكتوك ينطلق عبر الشارع والصوت الملعون للمدعو ( حمو بيكا ) يخترق حجب الصمت بوحشية ...!!!!!!!
.......................................... تمــــــــــــــــــــــــــــــــت ...............................
علاء الدين هدهد

قد تكون صورة لـ ‏نص‏

الاثنين، 5 نوفمبر 2018

البوابة الأخيرة !!

ـــــــــــــــــــــــــ
كان القمر يلقى بضوءه الباهت على اطراف تلك البقعة من الصحراء وصفير الرياح يتخلل اغصان النخيلات القصيرة بالقرب من بئر ( القلت ) وقد خلى المكان من الاشخاص عندما دنا الرجل من حافة البئر وكأنه قد خرج من طيات الظلام .. كان يبسمل ويحوقل حاملا فى يده دلوا كبيرا قد لف حول عنقه حبلا من الخيش ..
ألقى الدلو فى البئر ممسكاً بطرف الحبل الذى انفرط منه بسرعة بشكل عفوى واذا بالدلو يهوى ليسقط بينما طرف الحبل المقطوع مازال بيد الرجل ..
أطلق الرجل تنهيدة يأس وتلفت حوله كمن يبحث عن شىء ثم قرب رأسه من حافة البئر أكثر يتلمس النظر داخله فما منحه الضوء القمرى الشحيح مجالا ليرى اكثر من جدران البئر التى بدت جافة تماما ..
زم شفتيه ورفع طرف جلبابه فربطه على وسطه ثم شرع يتسلق البئر نزولاً الى داخله ..
يداه تتمسك بحافة البئر وقد فتح ساقيه لتتشبث قدماه بجدران البئر ثم اخذ فى النزول وما هى الا بضعة امتار حتى دلى احد قدميه الى الاسفل فاصطدمت القدم بالدلو فترك نفسه يسقط على القاع الجاف واقفا فى عتمة البئر مكررا البسملة والحوقلة وهو ينظر الى الاعلى ليرى لون السماء الواهن ..
انحنى ليمسك بالدلو فكأنما جره على الارض فتحركت بعض صخور القاع واذا بصوت لصخرة تتدحرج ساقطة الى الاسفل من باطن القاع كأنما تصطدم فى توالى بصخور اخرى اخذ يتلفت تحت قدمية ليبصر موضع الصوت فإذا بالصخور كلها تتساقط الى اسفل القاع متوالية كأنما انهار القاع فجأة ... تحرك الرجل مأخوذا يتلمس لقدميه موضعا من الارض صلبا لكنه فى لحظات انسحب مع الصخور ساقطا منجرفا الى الاسفل وهو يطلق صرخته مكبرا مستعيذا بالله وقد هوى به القاع الى عمق سحيق ..
ابتلعته طيات الظلام داخل عمق القاع المتعرج ليجد جسده قد تخبط فيما يشبه الجدران الصخرية فى دفعات قللت من قوة سقوطه حتى وقع اخيرا على ارض رملية رطبة ...
أصدر آهات توجع وهو يحاول النهوض متحسسا مواضعا من جسده ورأسه حتى وقف يتلفت حوله وقد اعتادت عيناه على الظلمة فترائت له جدران القاع الصخرية وقد تباعدت فى فجوة واسعة وإذا به يبصر مدخلا افقيا فى ناحية من نواحى الجدران يشبه السرداب ..
نظر الى الاعلى فإذا بفتحة ضيقة بعيدة تلك التى كانت تشكل قاع البئر وما استطاعت عيناه ان تبصر بعدها شيئا ..
استغفر الرجل الله وهو يمسح وجهه متحشرجا صوته داعيا الله مكررا فى تضرع .
لا إله إلا انت سبحانك إنى كنت من الظالمين .
وفجأة ...كأنما ومضت امام عينيه ومضة من نور مرقت سريعة داخل ممر السرداب ..
حملق فى الممر بشدة وهو يقترب بحذر فإذا بالومضة تعاود الظهور لطرفة عين ثم تختفى .... وجد نفسه يتقدم ويدنو اكثر ليدخل فتحة السرداب خافضا رأسه قليلا لقصر الفتحة وهو يتلمس خطواته بيديه المتحسستين جانبى السرداب الذى بدا رغم الظلام طويلا ... تجاوز عدة امتار فانحرف الممر الى اليمين فزاد تقدمه متعجبا من رؤيته لجدران السرداب فى هذا العمق دون مصدر للضوء ... عدة امتار اخرى وإذا بالسرداب يتسع اكثر واكثر ويرتفع سقفه اعلى واعلى فاستطاع الرجل ان يقف معتدلا وقد هبت عليه نسمة من هواء بارد فردد بصوت تردد صداه سبحانك اللهم وبحمدك سبحان الله العظيم .
تقدم عدة خطوات متجها الى امتداد المكان الذى بدا كالكهف الشاسع ومازال يردد بصوت اعلى تسبيحه ذا الصدى
وإذا بصوت جهورى جاف يشق عليه رجع الصدى وقد صاح به : قف مكانك ...... من أنت ؟
ارتعد الرجل متلفتا ليبصر امامه على بعد عدة امتار من غياهب السرداب كائنا ضخما طويلا قد برز فجأة من اللاشىء يشع جسده العارى ذو الشعر الكثيف لونا أو ضوءا بدا فى الظلمة ازرقا.. لم يتبين الرجل ملامح وجهه جيدا الا ان ذلك البروز فى اعلى جانبى الرأس كان واضحا له كقرنين مدببين .. اخذته الدهشة فألجمت لسانه للحظات تسمر فيها مذهولا يدقق النظر فى ذلك المخلوق الذى تقدم تجاهه فى خطوات مكرر بصوته الغليظ : من أنت ؟
ارتبك الرجل وهو يستعيذ بالله ناطقا فى رعشة صوت مبحوح
- أنا .... أنا شُريكْ بن خُباشة النُميرى !!!!!
......
اقترب الكائن الغامض من الرجل والأخير مازال محملقاً فيه يتفحص ملامحه التى صارت اوضح مع اقترابه .. عيناه كشقين طوليين يحتل السواد عمقيهما وانفه لا يبدو منه الا فتحتان عميقتان تستقران فوق فم مغلق تبدو فتحته كخط غليظ ممتد من اقصى جانب الوجه الى اقصى الجانب الآخر ..
اصابت الرجل رعدة خفية وهو ينظر له عندما تخيل ان صوتا ما يهمس فى أذنه بكلمات غريبة فاضطرب قليلا وهو يهز رأسه ومع اقتراب الكائن أكثر حتى صار قاب خطوتين او ادنى منه وعندما حرك الكائن يده اليمنى مع فحيح مخيف صدر منه فإذا بيده حربة ذات ثلاثة اطراف مدببة كأنها ظهرت من العدم مصوبة الى صدره نطق الرجل بسرعة مرددا
ايل ايل ايل هو الله الواحد الاحد أنوخ أنوخ أنوخ هو الله العزيز الحى القيوم ..
توقفت يد الكائن وتسمرت قدماه فى الأرض مهمهماً بأصوات غريبة ...
تمالك الرجل خلجات نفسه وكان حفيف الصوت الهامس مازال يطن فى اذنه فأكمل الرجل بصوت اكتسب بعض الثقة قائلا
داعوج فيعوج ديعوج حصن باسم الله من كل ذى جبروت عادايوم طالوم قيوم ديموم سور من حمعسق ومانع من كهيعص اكفنى شرك فأكفيك ضُرى ..
تراجع الكائن الى الوراء ونكس رأسه ثم مد يمينه الى نهاية الطريق فاختفت الحربة من يده وقال ... سلام لك وعليك آمن مؤتمن
ادخل كما دخل سابقوك بخير .
وفى ذات اللحظة انتشر الضوء يعم المكان كأنه شمس الظهيرة ..
تبدل المكان الى بساتين وزروع واشجار ومياه نهر جارية وسماء مشرقة واتسع المدى فى كل الاتجاهات حتى ماعاد النظر يصل الى نهاية المشهد .
نظر الرجل حوله مذهولا وهو يبسمل ويتمتم سبحان الله الخالق الاعظم .!!!!.. اقترب منه الكائن وقال .. حُجبت عن عينيك مشاهدٌ اخرى لخلق آخرين وتفاصيل أكثر وأكثر .. ثم اشار الى شجرة عتيقة ضخمة تبدو اوراقها رغم بعدها عنهما كبيرة واسعة اكبر من اذان الفيلة وقال :
اذهب لمقابلة حكيمنا أبو ديباج السادس عند شجرة التين تلك .
تقدم الرجل من الشجرة لا يتمالك نفسه مما تراه عيناه وعندما أظلته اغصان الشجرة تلفت حوله بحثاً عمن سيحدثه فلم يجد أحدا فإلتفت تجاه الكائن الذى كان يكلمه اولا فلم يجد له اثرا ادار ببصره فى المكان المتسع المترامى فلم ير مخلوقاً غيره ...انتبه القلق فصاح لا إله إلا الله .. واذا بصوت كما الفرقعة قد ومض امامه وإذا هو بكائن يرتدى حللا مذهبة وملونة يجلس على كرسى ضخم مذهب يلمع بريق قوائمه وعلى رأسه تاج اخضر ظهر من اللاشىء ليستقر امام الرجل الذى باغته المشهد فشهق متراجعاً حتى إلتصق بالشجرة ..
نداه الكائن بصوت عميق لا تخف .. من اى البلاد انت ؟
عادت للرجل سكينته فقال بثبات ..
أنا شريك بن خباشة النميرى من قبيلة بنى نمير بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن
زام ابو ديباج بصوت متحشرج وسأل شريك .. انت على دين محمد بن عبد الله ؟
رد شريك .. صلوات الله عليه وسلم .. اللهم ألحقنا به فى الفردوس الأعلى ..
برقت عينا ابو ديباج وهو ينظر لشريك وامسك بقبضتى قائمى كرسيه وهو يقول . هل مات محمد ؟
رد شريك قائلا . ومات ابو بكر الصديق الخليفة الأول وهانحن فى عهد عمر بن الخطاب الخليفة الثانى للمسلمين .
تراجع ابو ديباج الى ظهر كرسيه وهو يقول :
مات محمد بن عبد الله ..اذن .. فقد اكتملت الدائرة المحمدية السباعية وما عاد الا انتظار الفتح الأخير .!!!
تعجب شريك مما سمعه فنظر ابو ديباج الدهشة والتساؤل فى عينيه فهز رأسه كمن يتفهم سر دهشتة وقال بصوت واهن .
المدخل الذى وصلت إلينا منه لا يفتح إلا مرة واحدة كل ألف دورة قمرية فعندها تجف مياه البئر عندما تنحصر مياه نهرنا هذا الجارى وعندئذ قد يصل إلينا احد ممن سمح له الله بذلك .. فلذلك لم اعرف ان رسول الله قد مات فعلا .
تقدم شريك منه وقد برقت عيناه فسأله :
- انت على دين الاسلام اذن ... فكيف هذا وانت فى معزل هنا عن المعرفة منذ مائة عام ولم يكن محمد قد ولد بعد ؟
نهض أبو ديباج من كرسيه واقترب من شريك فوضع كفه على كتفه وهو يقول :
وصلنا صوت محمد بن عبد الله مرة واحدة وهو فى صحبة جبرائيل فى رحلته عندما اسرى به فنادانا جميعا سكان باطن الأرض ومعنا الأمة الداعية للحق من بنى اسرائيل ودعانا الى الاسلام وابلغنا بعضا مما نزل عليه من القرآن فأسلم منا الكثيرون وآبى من ختم الله على قلبه ومن ذلك الحين كان يأتينا بعض نفر من الأمة الداعية للحق يبلغوننا ما يصلهم من آيات الله وأخر ما جائنا منهم قول الله سبحانه
(وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله)
ومنذ ذلك الحين نحيا فى عالمنا على ما صرنا عليه ..
هز شريك رأسه كمن يحاول استيعاب كل تلك المعلومات الغريبة على عقله ثم تلفت حوله ونظر الى ابى الديباج متسائلا فى حيرة قائلا ..
- انا لا ادرى ماذا اقول حقا ... لا استطيع ان اعى وارتب جميع تلك الأمور لاعقلها ... من انتم .؟؟ واين نحن .؟؟ ومن اولئك الذين عنيتهم من بنى اسرائيل ؟؟ وكيف يأتونكم .؟؟ ومن سبقنى من البشر إليكم ؟؟
والأهم الأهم ... ماذا قصدت بتمام الدائرة المحمدية السباعية ؟؟
ابتسم أبو ديباج وهو يمد يده ليقطف احدى ثمار التين وقدمها لشريك قائلا :
- تناول هذه فليست كما تين ارضكم ولا فى اوانه ..
سأجيبك عما سألت بل وسأطلعك على ما قد يطيش له عقلك حيث قد لا تعقله بتمامه .
...................................
.. غيندون دروب !!
بسر اسمك المعظم ايها المتيقظ دوماً سيدرتا جوتاما ... ايا سقف العالم ونبع حكمته ..امنح روحى ان تنصهر فى غياهب انوارك المقدسة وقد دخلتُ فى صلاتك ايا سكينى مونى العظيم ...
كانت تعليماته صارمة لايمكن لأحد مخالفتها
غير مسموح لاحد بالاقتراب اثناء مدة عبادته التأملية
..
انتصب ظهر الجسد النحيل فى جلسته القرفصاء وقد امتدت ذراعاه النحليتان المعروقتان لتلامس كفيه عظمتى الركبتين فتمتد منهما اصبعى السبابة والأصغر ..
كان الرجل الذى تجاوز الثمانين من عمره يجلس فوق قمة صخرة ناتئة فى اعلى طرف لجبل يطل على التبت وقد سقطت اشعة الشمس على رأسه الصلعاء فانعكس منه لمن يراه هالة ضوئية غريبة احاطت به فى جلال وقدسية
انه أول رهبان الدالاى لاما ..
..
اغمض الرجل عينيه فى صلاة تأملية تنطلق فيها الروح خارج نطاق الجسد لتسمو فى عوالم وابعاد اخرى ..
ربما كانت تلك هى آخر صلاة له حيث يسمع صدى اصوات الاجداد يناديه وصوت بوذا المعظم يأمره بالارتقاء إليه ..
مرت امام روحه صورا سريعة كومضات متتالية ..
هاهو طفلٌ فى السابعة يرعى الاغنام عند سفح الجبل وقد جلس فى ظل صخرة كبيرة وقد وضع عصاه الطويلة بين شقى صخرتين فبدت الصارى منتصبة بجواره يمتد ظلها طويلا امامه ثم اخذ يطلق صفير نايه الخشبى الحزين عندما شاهد ظلا ثقيلا يفترش الارض امامه يغطى رويدا رويدا على ظل العصى فرفع رأسه الى الخلف ليرى صاحب الظل الذى كان رجلا غريبا ليس عليه من الملابس الا ما يستر عورته وقد انسدل شعره الطويل فوق كتفيه ...
نهض الطفل يمسك بعصاه متحفزا فاشار الرجل اليه بكفه كمن يهدأ من روعه قائلا ...لا تخف يابنى ... لا عليك .. فما جئت لصا لاغنامك او ضارا بك ..
كان صوت الرجل غريبا عميقا له نبرة غير مألوفة لا يمكن ان تخطئها الاذن ...نظر الطفل إليه مليا ثم ارجع عصاه الى جواره دون ان يتكلم فاقترب الرجل متجاوزا الصخرة ليقف امامه ويمد يده الى كتف الطفل فيمسكه فى حنان قائلا ..
هو أنت ولا ريب ... الطفل ذو الصوت الحزين والظل الممتد
لا احد غيرك هاهنا فى البرية .. هو يوم سعدى اذن ..
حاول الطفل الابتعاد ليزيح كف الرجل عن كتفه وهو يسأله :
ما الذى تقصده ايها الرجل ؟
ابتسم الرجل وهو يمد يده الى رأس الطفل فيلامس جبهته بطرف السبابة ويقول :
عليك دراسة التبتية وتعلمها ... انه انت من اختارك المعظم لتحمل باب السر ..
ثم اشاح الرجل ببصره الى ما وراء الطفل وهو يقول :
احذر اغنامك فقد ابتعدت احداهن اكثر من اللازم .
إلتفت الطفل سريعا الى الوراء يمسح المنطقة ببصره كأنما يحصى اغنامه ثم ارتد ببصره ثانيا إلى الرجل الذى لم يكن له من اثر فى المكان ولا على امتداد البصر .
..
جسم جلد قوى تتشكل العضلات فيه رغم نحافة الجسد وقد بلغ طور الشباب
انه بيما دورجه ... الذى إلتحق بدير نارتانغ ليكون راهباً مبتدئا صحبة رئيس الدير الراهب المبجل خينشين دروبا شيراب .... اثنى عليه الجميع وهو يزداد قوة روحانية يوما بعد يوم ولم تمر عدة اعوام الا وقد تلقى كامل نذور غيلونغ ...وقد منحه رئيس الدير اسمه الدينى الجديد .... غيندون دروب ..
انها تلك الليلة حيث كان القمر اسودا وقد اختفى من السماء وهو فى حديقة الديريجلس متأملا
انها تلك الليلة حيث سمع نفس الصوت الغامض العميق يهمس به دون ان يرى صاحبه
اترك الدير واذهب الى تسوننغخابا فهناك ينتظرك امر جلل ..
تردد الصوت عدة مرات ورغم إلتفات الشاب حوله بحثا عن مصدره الا انه لم يجد احدا ولا شاهد فى تلك العتمة الا وميض عينين لقط اسود قفز من اعلى غصن شجرة ليفر مبتعدا عن المكان .
..
تتلمذ لفترة جديدة على يد الراهب الاكثر غموضا تسوننغخابا ذلك الذى اوجد فرع القبعات الصفر فى الرهبنة البوذية والتى اتسمت جماعته بالقوة غير الطبيعية فى فنون القتال ..
فاق غيندون الجميع وباتت له منزلته الرفيعة لدى (تسو ) فاختاره ليكون منفذ حلمه الاكبر ... بناء دير تاشيلهونبو الذى اصبح فيما بعد اكبر المدارس الرهبانية لجماعة القبعات الصفر
..
كان تسو يحتضر وقد خلى المكان الا من غيندون الذى رفع رأس رئيسه الى صدره فأسر له الرجل بسره الأخير
الجبل حيث موضع الدير ... اتبع صرير الماء يا غيندون..
ابحث عن تلك البقعة حيث يختفى الماء ... هنالك تجد الممر ..
فليحفظك بوذا العظيم ياولدى ...
كانت الشمس تسطع بقوة فى نهار ذلك اليوم فوق التبت ... تسلق غيندون الى الموضع الذى تم اختياره ليكون موضعا للدير الجديد ..
هاهو يبحث بين الصخور عن نبع الماء ... هاهو يتجه الى طرف الجبل حيث كان الماء ينبع من بين الصخور عذبا صافيا ..
وهاهو يتبع بخطوات سريعة مساء الماء المتعرج بين شقوق الجبل فينجرف كما شلال صغير الى اسفل السفح فيما يشبة البحيرة الصغيرة ..
اين عساها تلك النقطة التى يختفى فيها الماء اذن ...؟؟
اخذ غيندون ينظر الى الماء المتساقط من اعلى الجبل حتى لمح صخرة ناتئة فى منتصف الجبل يقع عليها الماء فى طريقه الى الاسفل فينحرف بعضه فى مسار آخر متجها الى باطن الجبل ..
هبط غيندون متسلقا متشبثا بالصخور المدببة متلمثا لقدمية موطئا حتى اقترب اكثر ما يكون من ذلك المسار الجانبى للماء فشاهد خلف الماء الهاطل فجوة فى الجبل كمدخل كهف صغير ..
استطاع بعد عناء الوصول اليها وقد ابتلت ملابسه تماما..
كان الماء يجرى الى داخل تلك الفجوة فى قناة ضيقة متعرجة تمتد الى الداخل ... تبعها غيندون وهو منحى الرأس لانخفاض سقف الكهف حتى تعرج مسار الماء اكثر فإذا به امام صخرة كبيرة تمثل أخر الكهف والماء يتجمع عندها ثم يختفى كما لو ان الارض تبتلعه هناك .. المكان شبه مظلم لا يصله من ضور النهار الا النذر اليسير ..
ما الذى ابحث عنه هنا اذن ..؟
جلس غيندون ارضا وهو يسأل نفسه ويده تضرب الماء المتجمع
ثم اغمض عينيه للحظات وهو يناجى روح معلمه ... انتبه كمن برقت فى ذهنه ومضة اشرقت لها اساريره فراح وقد خلع خفيه يحفر بهما اسفل الماء عند جدار الصخرة فوجد الارض هشة ضعيفة ينجرف معه الطين بسهولة وتغوص خفاه اكثر واكثر للأسف حتى انهارت فى لحظات ارض الكهف عند جدار الصخرة بما يكفى ليسقط بجسمه مع الماء المتساقط فيهوى الى مسافة بعيدة من باطن الجبل فيسقط فيما يشبه البحيرة ..
لفه الظلام وكانت سقطته موجعة فأخذ يسبح خلال الماء الى ما ظنه شطاً من الصخور ..
المكان غير متسع لكنه يشبه الكهف المخروطى .. بعض اماكن من جدران الكهف تلمع ببريق كأنها صخور من ذهب .. استطاع على هدى بريقها ان يرى ما حوله وهو يدير بصره فى المكان حتى شهق شهقة دهشة وتعجب وهو يثبت نظره على احد الجدران ..
كانت هناك تلك العلامة المرسومة للعظيم بوذا مغمض العينين وكفه مرفوع مضمومة انامله كمن يصدر أمره بالوقوف والابتعاد .
انحنى غيندون متمتما ... تمجدت ايها العظيم فى علاك ... انت فى كل مكان ايها المعلم المستنير ...
فجأة تحركت الصخور متشققة اسفل الصورة فى صوت قوى اصاب غيندون بالرهبة فجمد فى مكانه للحظات حتى رأى ما يشبه الباب وقد انشق فى قلب الصخر ...
دون تردد اتجه بخطوات واثقة فدخل الباب الصخرى ليجد نفسه ينحدر فى طريق صخرى ضيق متجها الى الاسفل ..
تعثرت قدماه فوقع متدحرجا تتخبطه الصخور وهو ينجرف الى اسفل المنحدر حتى استقر ارضا فوجد نفسه وقد سقط على ارض لينة كما الرمال .
نهض متلفتا حوله ليجد مكانا شاسعا جدرانه وسقفه العالى يبرقون ببريق ذهبى يجعل المكان وكأن شمس قد اشرقت عليه.. قام يمشى وقد وصل الى سمعه اصوات لجمع من الناس .. كان هناك عدة ممرات مفتوحة امامه خطى الى الاول منهم ليجد نفسه امام رجل ضخم قد ظهر فجأة وهو يقول بلغة تبتية سليمة .
إذن فأنت الحارس الجديد للبوابة ..
هو أنا ذا حارس سبط بنى اسرائيل المختارين سكان جوف الأرض .
.
وقف غيندون أمام الرجل الضخم صامتا لبرهة يحاول الاحاطة بذهنه عن ماهية ما يراه امامه وان يجد الرابط بين هذا العالم الغامض الكائن اسفل الارض وبين الباب الصخرى الذى يحمل نقش صورة بوذا العظيم..
امام صمته تكلم الرجل ثانياً وهو يمسك بذراع غيندون قائلا له :
لقد تواصلنا مع هاتف روح تسوننغخابا كما هو العهد بيننا وكما هو الميثاق بين من سبقوه ولقد علمنا بقدومك خلفاً له ..
إلتفت إليه غيندون ومازال الصمت يغلف قسمات وجهه فاستطرد الرجل مجددا ...
سأطلعك هنا على امرين شديدى الخطورة ...شديدى الأهمية ...شديدى السرية فى اعلى مراتبها قاطبة ..
الأمر الأول سر جماعة البعد الاول ساكنى جوف الأرض والذين نعرفهم بسبط بنى اسرائيل المنظرين للملحمة الكبرى ..
..كيف جاءوا الى هاهنا أو كيف يتنقلون خلال اسباب ترحالهم او الى متى سيظلون فلا يعنيك هذا من امرهم ولستُ مخولا بالافصاح لك عن ذلك ... اما ما هو مسموح لك به ...ان ترى فقط عالم وجودهم .... فهيا ...تقدم معى الان لترى ما يدور حوله عالمهم ..
تبعه غيندون صامتا لا يقوى على الاعتراض او التراجع مسحورا بما يراه متخيلا كيف كان معلمه الاخير تسنو يخفى كل هذا فى صدره ...
دخل الاثنان فى احد الممرات ليختفيا فى فجوة مظلمة فزع منها غيندون صائحا ...لا ارى شيئا ... فرد صوت مرافقه ...لانك تدخل معى ممر البوابة البعدية فإلزم الصمت ..
صار المشهد امام غيندون سوادا فى سواد استمر لبرهة حتى سطع النور مبهرا ليظهر مشهد يبدو انه خلف غلاف شفاف تُرى من خلاله مدينة شاسعة لا يحيط باطرافها البصر لا تختلف عن اى مدينة على سطح الارض فى تكوين عناصرها وانما الاختلاف فى هيئة تلك العناصر من المبانى والطرقات والاشجار والبساتين والجبال العملاقة والتى بدت رغم الغلاف الشفاف انها ولابد ليست من الحجارة بل من الحديد الاصم... وهاهم ساكنوا المدينة فى حياتهم العادية يروحون ويجيئون لا يختلفون عن سكان ظهر الارض الا انهم يبدون اضخم فى تكوينهم الجسدى بشكل ملحوظ ..
وإذا بصوت غيندون يسأل :
- ومن هم اولئك القوم وما اهميتهم ؟
فرد عليه صوت مرافقه قائلا :
- منذ أكثر من ألفين عام ارضى بحساباتكم اُمرنا نحن قبيلة الخازنات بحراسة اولئك القوم من اذى الخارجين الفوق ارضين او اى هوام اخرى من عالم الجن ساكنى جوف الارض ... وحتى اليوم وحتى يحين الأجل المحتوم نتوارث هذا التكليف ومن قد تعن له نفسه مطاوعة وساوسه ان يتنصل منه يحترق متفحما كما الرماد فى التو واللحظة ..
أما لماذا نحميهم فهذا هو الأمر الثانى الهام الذى سأكشفه لك ..
انظر جيدا وتمعن فيما تراه فلن تراه ثانيا ابدا .
قال ذلك وقد اظلم المشهد ثانيا لبرهة اطول من الاولى ثم سطع النور على مشهد جبل شاهق له مئات القمم المدببة مختلفة الارتفاعات ثم دار المشهد كمن ينظر الى الجبل من خلال طائرة تطير فى دائرة حول الجبل فإذا به شاسع المسافة ممتد تتعاظم صخوره فى حجمها واذا بالرؤية تدور مع إلتفافه لتصعد الى اعلى قممه فأذا به كأنه منشق فى ناحية منه من اسفله حتى قمته شقا متسعا يكفى لعبور مئات الاشخاص واذا ببناء معدنى غريب يبرق خلال ذلك الشق وقد ملئه فسده سدا محكما فما عاد يرى الا الجبل وقد إلتحم كلياً ..
تردد صوت غيندون يسأل : وما عساه يكون هذا الجبل وما هذا الذى يبرق فى وسطه وما عساه يحويه ؟؟
اجابه صوت مرافقه قائلا :
هذا هو المنفذ الوحيد الذى يفصل العالم الذى شاهدته اولا ...مدينة السبط المختار عما يقبع بداخل جوف الارض الكائنة اسفل ذلك الجبل ..
كان هذا قديما جدا ايضا .. فساد يشمل العبث والقتل والاعتداءات يأتى من باطن الجبل ولا سبيل لرده ..هناك حيث مدخل البعد الثالث للارض الثالثة ..وهناك حيث ظل الدعاء يتردد اعواما واعوام حتى اتى المنقذ والمخلص منطلقا يجوب اسباب المنافذ والابعاد ... جاء من له قرنى الشمس تاج فوق هامته ففعل ما عجز السحرة وقوى الجان مجتمعة على فعله ... استغل جبال الحديد فى مدينة السبط المختار فأذابه ومعه القطران حتى ختم على بوابة البعد بخاتم لا يسمح لاى مخلوق مهما كانت قوته ان ينفذ منه ... ولان ذلك البعد الثالث هو الوحيد الذى له بوابة وحيدة هى باطن هذا الجبل فلا مجال لمخلوق ان ينفذ داخلا او خارجا اليه او منه الا عبر هذا المنفذ وقد صار إلتزامنا بحماية اولئك القوم حتى يحين الحين ويكونون مع نسلهم دورا فعالا فى ملحمة الملاحم ..
تسائل غيندون قائلا ... وما عساه يكون ذلك الشر الكامن فى اسفل عمق الجبل ؟
رد صوت مرافقه .. ذلك هو الشر الذى كانوا يدعون ويترجون املا فى الخلاص منه قديما فإذا بقديمه كان اسهل واهون واضعف مما صار الان عليه وما سوف يصير عليه بعد الان اكثر واكثر ..اما ماهية تلك الكائنات المسجونة هناك فلن تتمنى ابدا ان تراها عياناك.. فهى فى سباق محموم حتى يحين اوان خروجها فتدمر كل ذى روح تمر به واول من ستدمرهم هم قومك انت والذين سيكونون بصغيرهم وكبيرهم اول طعامهم .
تردد همس غيندون متضرعا .... أيا بوذا العظيم ...رحمتك باتباعك !!!!
اكمل صوت مرافقه قائلا :
- من كانوا قبلك ومروا من هنا مثلك قبلوا العهد ان يحفظوا سر المدخل الذى اتيت منه وباقى المنافذ الاخرى التى ساطلعك عليها وفى المقابل لهذا العهد لك جائزتك
..
هنا اختفى مشهد الجبل لتحل الظلمة مجددا لبرهة قصيرة ثم عاد المشهد يظهر وغيندون صحبة الرجل الضخم عند البحيرة فى الكهف المخروطى وخلفهما الباب الصخرى اسفل نقش بوذا
..
تلفت غيندون حوله مندهشا من عودته الى المكان الاول دون ان يعى حتى اذا تمالك دهشته سأل الرجل :
- اى جائزة تقصد ؟؟
وضع الرجل طرف سبابته فى منتصف صدر غيندون الذى شعر بحرارة غامضة تجتاحه دون ان يشعر منها بقلق ثم قال :
- اولا ستظل حيا بلا ضرر منا لك .
برقت عينا غيندون خوفا فاستطرد الرجل :
- وثانيا ستمنح فوق قواك الجسدية قوى اخرى فى السيطرة على النفس والتحكم فى الجسد فى حرارته وبرودته وفى يقظته وغفوته وفى قواك الداخلية الكامنة وفى صفاء الروح والذهن وستملك كيفية اخضاع من امامك وستجد منا العون فى حياتك مع اتباعك او ضد اعداءك هكذا كنا مع الاول منكم وهكذا سنستمر ...
فهل تقبل العهد ام لا ؟؟
نظر غيندون الى الرجل الواقف امامه كالطود ثم ارتفع ببصره ينظر تلك الفتحة المتساقطة منها المياة الى البحيرة ثم دارت عيناه حتى استقرت على نقش صورة بوذا فإذا به قد هز رأسه موافقة وهو يقول أقبل ..
عندها وضع الرجل يده على كتف غيندون الذى شعر بثقل لها غير طبيعى ظل يزداد ضاغطا على كتفه كمن يود سحقها فتآوه ألما راكعا لاسفل ليخفف الضغط على كتفه واذا بالرجل تتغير هيئته ليصير فى هئية بوذا العظيم والذى ما ان شاهده غيندون حتى اتسعت عيناه دهشة ونكس رأسه اجلال وهو يتمتم ..سيدى العظيم المبجل .
هنا كان الصوت العميق يتردد فى جوف الكهف المخروطى قائلا
وغيندون يرد خلفه بكلمة واحدة متكررة ....اقبل ...اقبل ..
هو انا ذا الحارس الجديد لبوابات التبت اقبل بالعهد
هو انا ذا الحافظ للسر والحامى للمداخل والمخارج حتى يحين الحين
هو انا ذا الملتزم بنقل العهد الى من اثق فيه ليخلفنى
هو انا القابل ان ابقى دوما رهن الطلب ورهن الإتصال مستحقاً الموت والفناء لحظة الخيانة .
صمت الصوت فرفع غيندون رأسه ليرى رجلا آخر تماما يقف امامه ويده ممتدة تلامس كتفه ... جفل منه غيندون مندهشا فنهض متراجعا عدة خطوات حتى كاد ان يدخل بقدمية الى اول ماء البحيرة صارخا .. من أنت بحق بوذا المعظم ؟؟؟
كان وجه الرجل صلبا خشنا قاسى الملامح وهو يرد .
أنا وارث الإلتزام ... احد حراس المدخل الى السبط المختار
أنا احد افراد قبيلة الخازنات من جن الماء الازرق
أنا شُريك بن خُباشة النُميرى
............
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2560 قبل الميلاد !!
انهض من ثباتك أيها المتسربل بالمجد
أنت أيا خنوم خوفو , بكوى نبو , مجدر خبتى ..
انهض أيها المتوج بأسمى أنا أتوم , خبرى , رع - حوراختى ...
هذا ما يمليه عليك أمون رع العظيم فوق الافق إله العالمين بين السماء والأرض والعالم السفلى .....
هب خوفو من نومه فزعا ينظر الى حجرة مخدعه الملكية بقلق وحبات العرق تتلألأ فوق جبينه ... نهض من فراشه متجها الى شرفة الحجرة ففتحها ينظر الى السماء باحثا لرئتيه عن بعض نسمات الهواء فى تلك الليلة شديدة الحر..
ظل واقفا لبرهة كأنما يستعيد امرا ما على صفحة ذاكرته ثم تمتم هامساً ...حم إيونو ... ليكن الأمر إذاً ..وليكن منذ اليوم اننى انا هو رع الإله العلى فوق هذه الارض .
..
فى الصباح اجتمع الملك خوفو بوزيره رفيع الشأن حم إيونو واصدر إليه اوامره الملكية بما خلعه على نفسه من وصف جديد ثم شدد عليه ببدء التجهيزات اللازمة لاعمال البناء لهرم يحمل اسمه ليكون منطلقه فى رحلته الى عالم الخلود ..
صدع الوزير للأمر طالبا امهاله فترة مناسبة للبحث عن المكان المناسب واعداد الرسومات والتصاميم اللازمة ..
...
ظل الرجل لايام طويلة يبحث عن الموضع المناسب ويصمم على اوراق البردى رسومات واشكال لمصاطب جنائزية منطلقا من اشكال الهرم المدرج ثم لا يلبث ان يمزق كل ما خطته ريشاته الكتابية ثم يعيد الكرة من جديد فى تصاميم اخرى واشكال جديدة واسماء مواضع عدة حتى تعاود لفافات البردى التراكم والتكدس مجدداعلى مكتبه الصخرى .
و ذات ليلة وقد امضى جل ليله غارقا فى تصاميمه فإذا بالنعاس يغلبه فرجع برأسه الى مسند مقعده الكبير وتحرك به مواجها تلك النافذة الكبيرة المفتوحة ثم اغمض عينيه مستسلما للنوم ....
..
لم يشعر حم إيونو بنفسه الا وقد تسلل الى مخدعه اول اشعة الشمس من خلال النافذة الكبيرة .. سقط الضوء رويدا رويدا على الارض واخذ يزحف حتى وصل لقدمى حم ثم جذعه ثم سطع على وجهه المغمضة عيناه وإذا بصوت قوى يرج عليه غفوته فانتبه مذعورا ليفاجأ بسطوع الشمس القوى يغمر عينيه فلم يستطع النظر فرفع يديه يحجب عنه الضوء المبهر عندما سمع الصوت مخاطباً اياه ..
هاااام إيونو ...
انت ايا خادم رع الشمس فى علاه ... انصت لربك الأعلى ..
سقط حم إيونو على ركبتيه ساجدا على الارض مذهولا وهو يردد
صوت رع ينادينى انا العبد الذليل خادم اعتاب معبده ... كل السمع والطاعة إلهنا رع العظيم ..
تردد الصوت ومازالت الشمس تلقى بوهج اشعتها القوية فوق جسد حم إيونو ..
هاهناك حيث ارشدك شيد منطلقى بمراكب الشمس نحو النجوم
فى تلك الأرض حيث رسمت لك بنورى الذى يضيىء الارض كل صباح تكون خطوط قاعدتى ..
ابدأ من خط الفصل بين الشمال والجنوب ها هناك سيكون ظهر منطلقى .
خذ الارقام بدقة ... نفذ المرسوم بلا زيادة او نقصان ..وليكن اسمه فى الافلاك آخت خوفو ...
وانتبه واحذر ... امرى هذا لك ليس لابن ام ولدته امرأة ان يعلمه..
..
لحظات وانسحبت الاشعة لتسقط على المكتب ولفائف البردى التى عليه وفى لحظات شبت النيران تلتهم تلك الاوراق ... اسرع حم اليها وهو مازال تحت اثر الدهشة والصدمة مما سمعه ليحاول اطفاء النار فما وصلت يداه الى اللفائف حتى كانت قد انتهت تماما وعلى المكتب وجد لفافة اخرى تبدو لعينيه انها لم تكن من ضمن اوراقه ....
فتح اللفافة البردية والعجب يأخذ بملامحه ليفاجأ برسومات وخطوط وابعاد وارقام مفصلة لما يشبه الهرم الضخم واسفل الرسومات كتابات هيروغليفية تصف وتحدد شكل ووزن قطع الاحجار فى كل مستوى من القاعدة حتى القمة ومواضع الفتحات والحجرات والممرات وطريقة وضع الارصاد بأنواعها المختلفة..
برقت عيناه ذهولا وهو يهز رأسه مرارا غير مصدق فخرجت بضعة كلمات من فمه وكأنها بلا ارادة منه .
أأنا من رسم وخطط كل هذا ليلا ؟؟؟ ولكن كيف هذا بحق رع العظيم ؟؟
.......................
.... ابريل عام 1904 م
الهرم الأكبر ............ ليلاً ..
ترك زوجته فى حجرتهما بالفندق واستقل سيارة اجرة وهو يحمل فى يده حقيبته الجلدية المتوسطة الحجم قائلا للسائق كلمة واحدة .. الهرم !!
تمتم السائق ببضعة كلمات مرحبة بالسائح الاجنبى وهو ينظر اليه فى المرآة الصغيرة المعلقة بالسيارة ..
رجل عادى فى ملبسه كما سائر الرجال فى تلك الاونة لا يميزه الا تلك العينان الواسعتان ونظراتهما الحادة المخيفة ..
ظلت السيارة تنهب الطريق سريعا وبين الحين والآخر ينطق السائق ببضعة كلمات لعل ضيفه الراكب يستجيب فيرد عليه الا ان ذلك الاخير إلتزم الصمت تماما مما زاد معه السائق المحاولات اكثر واكثر حتى تململ الرجل فى مقعده الخلفى و قد اصابه الضجر فزم شفتيه غضبا وهز رأسه هزة وهو يمد يده فى جيب جاكت البذلة الداخلى فأخرج ورقة مالية ثم قلما من اقلام الحبر لفه سريعا ليزيح غطاؤه ثم دون او رسم شيئا سريعا على تلك الورقة المالية ثم طواها الى نصفين واغلق القلم فأعاده الى جيبه وظل صامتا من جديد ..
وصلت السيارة الى اقرب موضع يمكنها ان تبلغه فى الطريق الرملى المؤدى الى الاهرامات ... كان الوقت قد قارب الحادية عشرة ليلا ... خرج الرجل من السيارة ومد يده للسائق بالورقة المالية ودون انتظار اى رد سارع بالانصراف متجها الى عمق الطريق الرملى ..
بعد دقيقة إلتفت الى الوراء عندما انطلق من بعيد صوت احتكاك عجلات سيارة بالطريق بصوت دوى فى المنطقة الرحبة اتبعه صوت ارتطام سيارات ببعضها البعض ... ابتسم الرجل ابتسامة خبيثة وعاود سيره فى طريقه ..
اقترب من نطاق الهرم الاكبر... كان هناك بعض نفر قليلين وبعض من رجال الحراسة تبادل مع احدهم بضعة كلمات وهو يدس شيئا فى يده فظل الاخير يهز رأسه علامة الموافقة وابتسامة بلهاء تملأ وجهه ..
قاربت الساعة على منتصف الليل وهاهو الرجل داخل ممر الهرم الأكبر وقد اخرج من حقيبته عدة شموع اشعلها ثم وضعها على اطراف نجمة سداسية قام برسمها على الارض بطبشور ابيض وداخل مثلثات النجمة رسم اشكالا او حروفا غريبة وظل يقرأ فى كتيب صغير معه ما يشبه الترانيم بلهجة تبدو من بعض كلماتها انها لاتينية قديمة اذا استطعنا ترجمة بعضها لسمعنا منها ..
بسر استحقاقك قيادة العالمَين الجديد والقديم امنح عبدك المخلص أليستر كراولى الفرصة ليفرض اسمك على العالمِين ..
عانقت عقارب الساعة منتصف الليل فانتهى الرجل من ترديده ترانيمه وقد انتصفت الشمعات فى انصهارها عندما هبت ريح باردة اطفأت كل الشمعات وما عاد من بصيص ضوء اللهم ذلك الاتى من اخر مدخل الممر ...
تلفت الرجل حوله وهو يهمهم بهمهمة غامضة فسكنت الريح وشيئا فشيء صارت حراراة المكان تزداد فى وتيرة سريعة ظهرت على جبين الرجل كحبات عرق سرعان ما اخذت تتدحرج على خديه وعنقه ...
ظل الرجل يصدر صوت الهمهمات حتى سمع صوتا آخر كأنما يتناغم مع همهماته لكن فى حشرجة واضحة ..
تهللت اسارير الرجل واخذ يعاود الترنيمة الغريبة مرارا حتى انفجر المكان امامه فيما يشبه الفرقعة ليظهر كائن طويل نحيف عارى الجسد كثيف الشعر على ظهره وصدره يتمنطق فى وسطه بعدة حبال يتدلى منها قرنان كبيران يغطيان اسفل بطنه ..كانت رأسه صلعاء تماما يظهر على جانبيها نتؤان صغيران وما غير هذا من تفاصيل يبدو غير هام مثل انه لم يكن له الا عين واحدة فى منتصف اسفل جبهته ..!!
انحنى الرجل كالساجد امام ذلك الكائن مرددا السمع والخضوع لرسول من انا عبده .. ما اسمك يا سيدى ؟؟
تحشرج صوت الكائن واصدر همهمات غريبة ثم نطق بلغة الرجل قائلا . أنا أيواس !!! ..
قد لبينا نداءك لما نعرفه عنك من اخلاص ..
رد الرجل ...بل انا عبد لذاك المستحق التتويج إله على الجميع .
قال الكائن وهو يشير الى الرجل ان يعتدل جالسا ؟
- من هنا يجب ان ينطلق معبدنا ... ومن هنا يجب ان يكون اللقاء
.... هز الرجل رأسه طاعة وموافقة فاستطرد الكائن قائلا ...
لقد اقمنا هذه البوابة منذ ألاف السنين .... لكنها دوما تحتاج الى طاقة ضخمة حتى تستطيع العمل لتكون المفتاح الذى يفتح سائر البوابات معا ... عليك نشر طاقة الفوضى .... عليك جلب المزيد من الاتباع والعبيد .. وسوف أملى عليك الطريقة والاسلوب ...
ليكن هذا قانوننا منذ الأن وليكن مؤلفك هو القانون ....
...
ظل الكائن لعدة ساعات يملى والرجل يكتب فى اوراق اخرجها من حقيبته ...الشموع التى اشعلها يعيد اشعال غيرها كلما قاربت على تمام الانصهار حتى انفجر المكان فى فرقعة شبيهة بتلك التى حضر الكائن على اثرها أولا وبعد ذلك اختفى الكائن .... هنا تمتم الرجل لنفسه سعيدا وهو يقول :
أنا هو أليستر كراولى ...النبى الجديد المكلف بتوجيه الانسانية الى عبادة عين حورس العظيم ..
أنا هو مفتاح السر وحامل الشفرة ...
أنا هو ...
سمع صوتا يقاطعه صائحا به ...انت الملعون عبد الملعون .
نظر الرجل مذهولا الى الخلف حيث مصدر الصوت ليجد رجلا قاسى الملامح ينظر إليه شذرا وهو يقترب منه ..
تراجع أليستر خطوات فدهس الشمعات وهو يصيح فى الرجل ...من أنت ياهذا .؟؟
تقدم الرجل منه اكثر وهو يقول بصوت قوى تردد صداه داخل ممر الهرم ..
أنا شُريك بن خُباشة النُميرى !!!!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
...
كان ضوء القمر الخافت المتسلل إلى نافذة تلك الغرفة التى اكتظت بمئات الكتب والمخطوطات يلقى على ما بها من مقاعد بعض الظلال التى بدت فى تلك اللحظة غريبة بعض الشىء حيث يخيل لمن يراها انها بالفعل تتحرك ..
لكن ان اقتربنا قليلا من ظهر ذلك المقعد الضخم وتتبعتا مقبضه سنشاهد ان هناك يدا تتدلى بجوار المقبض ساقطاً كفها وحركة واهنة تبدو كرعشة فى بعض اصابعه ...و لو واجهنا المقعد سريعا لرأينا ذلك الجسد الجالس عليه لرجل خمسينى يرتدى نظارة للقراءة وقد سقطت على مقدمة انفه كاشفة عن عينين جاحظتين ثابتة حركتهما وكأنه قد فارق الحياة تواً أو انه فى النزع الأخير ...
الصمت يسود المكان تماما ...لا ضربات قلب او نبض او تنفس يلامس الرئتين .. فجأة انطلق رنين جرس لمنبه موضوع على طرف المكتب بجوار ذلك المقعد عندما اهتز المقعد فجأة كما لو ان ثقلا قد وقع عليه فانتفض الجسد الساكن كما الاموات انتفاضة كمن مسه تيار كهربى فصاح صوت الرجل متحشرجا لا إله إلا الله ... وفى اللحظة ذاتها سمع صوت فرقعة فى الهواء وصوت اجش عميق يصدر من الفراغ قائلا :
مرحباً بعودتك لعالم البشر مرة أخرى ياصاحبى ...!!
اعتدل الرجل فى جلسته وهو يعدل موضع نظارته ثم أخذ يتنفس بصوت عال عدة مرات واضعا يمينه على صدره ومطرقا بناظريه قليلا الى الارض .. وبعد برهة رفع رأسه وقد بدت ابتسامة شاحبة على شفتيه وهو ينظر الى فراغ الهواء ويمد يده الى اباجورة فوق المكتب فيضغط زرها ليشع منها ضوء قوي لكن فى حدود اطار المكتب فقط وان اضاءت الاشعة النافذ ضياؤها من خلف اطار الاباجورة نواحى الحجرة بصورة اقل فنظر الرجل امامه وقال :
- ما بال هذه المرة كانت اشد من سابقتيها يا جواش ؟
تردد صوت الفراغ بنبرة مملؤة بالشفقة قائلا :
- لانها المرة الثالثة فى ليلة واحدة يا صاحبى وأنت لا تمتلك ذلك الجسد القوى وقد حذرتك سابقا ان الانتقال روحا عبر الزمن يرهق الجسد ارهاقا ينال من قوته وسلامته الصحية وعرضت عليك رؤية ما تريد عبرى انا لكنك فضلت ان تعايش الامر بنفسك .
نهض الرجل من جلسته ببطء وسار بخطوات واهنة الى المكتب المكتظ باكوام الكتب فأمسك احدها وهو يقلب فى صفحاته حتى توقف على صفحة معينة ونظر فيها قليلا ثم قال محدثا الفراغ امامه ... لكن مازال هناك الكثير من الرحلات التى اود بشدة ان اعايش تفاصيلها واتأكد من صحتها ... هاهى واحدة هامة جدا تلك الزيارة الى مدخل البوابة الكائنة فى القطب الشمالى التى عايشها ذلك المستكشف النرويجى يانس أولاف ... او تلك الرحلة للادميرال ريتشارد بيرد لبوابة القطب الجنوبى ... كما ان هناك رحلة قديمة عنهما لذالك المدعو تميم الدارى عندما ..
هنا قاطعه الصوت بنبرة قوية .... على رسلك يارجل ...اما كفاك ما نلته فى روح شريك بن خباشة حتى تريد الانتقال بروح تميم الدارى هذا .... ثم أن تلك الرحلة ليست أكيدة الحدوث عندى رغم ورودها لديكم فى كتب الثقاة ..
صارح الرجل معترضا :
لكن ياجواش ..... ومن جديد قاطعه صوت جواش قائلا :
يا صاحبى ليس الامر محل خلاف ولكنه اختلاف ... اختلاف بيننا وبين رواتكم ...اختلاف فى مجمل المروى من الحكاية على لسان الناقل .. ومن هنا يتولد الخطأ ..
ساضرب لك مثلين فارقين فى موضوع بحثك هذا الذى استعنت بى فى اتمامه ..
جلس الرجل على مقعد المكتب ناظرا امامه فى انصات بعد ان سأل جواش ..
أى نقطتين تقصد .؟؟
استطرد صوت جواش قائلا :
انت كغيرك من الباحثين كثيرا ما تقعوا فى خطأ التسليم المطلق لامور بعينيها حتى تكون الصورة واضحة امام اعينكم ورغم ذلك لا تبصرونها وخذ قياسا على ذلك وتطبيقا له :
النقطة الأولى ... والتى اعنى فيها عدم اقراركم بشكل قطعى حتى الان ان الاراضين السبع هم ذات الارض التى تعيشون عليها ولكن فى ابعاد متوازية زمانية ومكانية ..رغم ان العديد من الباحثين مسلمين وغير مسلمين قد قالوت بذلك ...فنفس هذا المكان الذى نشغله الان يوجد فى زمن آخر بهئية اخرى قد تكون ارضا او جبل او بحرا ... ولكن يظل هذا فقط حبيس افكار القصص والخرافات الخاصة بأعمال الخيال التمثيلى لديكم ... على الرغم انكم لو اخذتم ببعض ما جاء فى كتب التفسير لديكم لكان هذا افضل...
انت تدرك تماما اننى اعنى هنا اشارة عبد الله بن عباس بن عبد المطلب للأمر فى تفسيره آية ( الله الذى خلق سبع سموات ومن الارض مثلهن ) عندما اجاب سائله عن الاراضين السبع ولكن لم ينتبه إلى كلامه احد من معاصريكم او اعتمدتموه رسميا حيث قال ..
سبع أراضين فى كل أرض نبى كنبيكم وآدم كآدم ونوح كنوح وابراهيم كإبراهيم وعيسى كعيسى ..
تحدث الرجل قائلا ... ياجواش اعلم هذا واكثر لكن الامر محل خلاف فى الفهم وحتى يمكن ان يعيه عامة الناس فلم يثبت التفسير بشكل جازم حتى تعتمد الفكرة كحقيقة ..
اكمل جواش مستنكرا الاعتراض وهو يقول :
هذا لان احدا منكم لم يفطن الى الكلمة اللغز .... الكلمة الشفرة الكلمة التى تؤكد الفكرة وتجعلها حقيقة ..
انتبه الرجل وضاق ما بين عينيه وهو يسأل .
أى كلمة تعنى .؟
رد الصوت بعمق ...... كلمة بينهن ...
يتنزل الأمر بينهن .... لاحظ جيدا ... ليس عليهن او فوقهن أو حتى خلالهن ولكن بينهن .... تخيل ما هى الكينونة التى تجمع سبع أراضين معا حتى يتنزل امر الله بينهن ... هذه الكلمة الظرفية بمعناها ومحتواها اللغوى تدل على أن السبعة اراضين جميعا كيان مادى واحد متفرق بين سبعة أزمنة مختلفة لكنها جميعا متوازية معا فى ذات الأوان ..ومن هنا كانت سلطة الكلمة ومغزاها ... بينهن ...
ومن هنا ياصاحبى تفهم اكتمال الدورة المحمدية السبعة ..
نهض الرجل واقفا وهو يقول بحماس ؟
نعم نعم ... هذا ما قاله حارس بئر القلت لشريك بن خباشة
فهل تقصد ان سيدنا محمد هو سابع محمد على سابع ارض .؟؟
أجاب الصوت ... نعم ... لاحظ .... فى كل أرض نبى كنبيكم .....إلخ
وبموت محمد بن عبد الله أخر الرسل واخر امر يتنزل بين الاراضين السبع اكتملت الدائرة المحمدية وما عاد لنا الا انتظار الفتح الأكبر ...
ردد الرجل بدهشة ... الفتح الأكبر !!!
كرر صوت جواش ..نعم ...فتح البوابة التى ستزيل كل حواجز الابعاد السبعة تماما ليصير الجميع بعدا ماديا وزمانيا واحدا ومن هنا تنطلق جحافل الفتن الرهيبة على بنى البشر.. ينطلق المسلسلون فى الاغلال وينطلق الموعود بالظهور ابليسا ومسيخا فى كيان واحد وتنطلق ملايين المرصودون بالحديد والنحاس المذاب ... الجميع من كل حدب ينسلون ... الجميع يهاجم بنى آدم فى كل كيان ارضى .... فيالها من آونة مرعبة وياله من شر عظيم ..
توقف الرجل يحملق فى الفراغ صامتا ثم توجه الى النافذة المفتوحة يتابع فيها صفحة السماء التى بدت شبه مظلمة حيث غطت سحابة وجه القمر فى تلك اللحظة وشرد كأنما يتخيل مشهدا يدورعلى مسرح خياله وقد عكست ملامحه رعبا متزايدا وقد تملك منه تماما ..
استمر برهة على تلك الحال ثم إلتفت قليلا الى ناحية اليسار وسأل جواش قائلا ..
هذا عن النقطة الأولى وماذا عن النقطة الثانية التى قصدتها .؟؟
اجاب الصوت .. انه ذو القرنين ياصاحبى !!!
جميع مفسرينكم ذهبوا مذاهب شتى فى اسمه ونسبه ومكانه وغاب عن الجميع تفسير آخر تماما ألا وهو ان الرجل ليس من ارضكم ولا بعدكم أبدا ...انما هو احد السبع حاملى وصف ذى القرنين ...
هنا اصدر صوت جواش ضحكة عالية علت الدهشة وجه الرجل على اثرها فتمتم سائلا اياه .
ما الذى يضحكك الان ..؟؟ رد جواش .. تخيلتك فى رحلة بعدية تلتقى فيها مع نسخك الستة الأخرى لترى كيف هى الفوارق الشاسعة بينكم فى كل شىء .
استدار الرجل عائدا الى مقعده وقد زم شفتيه وهو يهز رأسه مبتسما كالمتوعد ثم قال ...
جواش عزيز الوجود ..... ايها الجنى العلوى كبير المقام والشان ...صاحب السلطة القوية ..
رد صوت جواش مطيعاً ... لبيك صاحبى ..
.قال الرجل وهو يجلس على المقعد .... استعد لتخبرنى بأهم سر فى اسرار موضوع بحثى هذا ... سر البوابة الأخيرة التى ستفتح جميع الابعاد معا فى آن واحد ..
واستعد لأمر أخير ربما يكون أخر ما اطلبه منك ..
سأله صوت جواش ... وماهو ياصاحبى ؟؟
هنا هب الرجل واقفا ثم تقدم من احد ارفف المكتبة ليلتقط كتابا كبيرا منها ضمه الى صدره واستدار مظهرا واجهته الغلافية التى ظهرت عليها صورة كبيرة للهرم الأكبر تعلو قمته عين تشع الانوار منها ثم قال بصوت بدت فيه نبرة تردد او قلق مشحون بالرهبة :
أريدك ان تنقلنى روحا وجسدا معا إلى معايشة لحظة فتح البوابة الأخيرة .!!!!
.......
هذا مستحيل !!!!
صاح بها صوت جواش اعتراضا واستنكارا وهو يكمل
أنت تعى جيدا ان انتقالى بك روحا انما يمكن لاى حدث وقع ماضيا اما ما تطلبه فهو الانتقال الى المستقبل لحدث لم يقع بعد..
لحظة فتح البوابة الأخيرة ....لا ....لا ياصاحبى هذا هو ما بعد المستحيل عينه .!!!
كان الرجل يستمع منصتا وهو ينظر الى الفراغ امامه كأنما يرى بالفعل محدثه جواش بل ويتمعن النظر محدقا فى عينيه الخفيتين .
اقترب من مقعده وجلس ومازالت عيناه مثبتتين على الفراغ ثم قال بصوت هادىء له رتابة عميقة كأنما يملى امرا او يقرر حقائقا غير قابلة للنقاش .
- جواش ... أنت أعلمتنى وعلمتنى الكثير والكثير لكنك تعى جيدا اننى أيضا تعلمت وعلمت بطرقى الخاصة الكثير والكثير .. ومما أعلمه ان الانتقال إلى الزمن القادم بات حاليا متاحا لكم او لنقل لفئة خاصة من الجان العلوى لكن تلك التحذيرات والاوامر المانعة لكم عن اتيان هذا الامر قوية جدا تضع مخالفها تحت سطوة العقاب اللحظى خشية نقل العلوم الغيبية قبل وقوعها ..
لكن ما اطلبه منك هو طلبى الاخير كما قلت لك ... فهل ستساعدنى فيه ام لا .؟
استمرت برهة يسود الصمت والسكون التام اجواء الغرفة عدا تنفس الرجل المنتظم وما زالت عيناه تستهدف ذلك الفراغ المواجه له .. فجأة ارتجفت عينا الرجل كالمأخوذ وارتد رأسه الى الوراء فى حركة مباغتة عندما صدر صوت الفرقعة التى اعتادها من جواش لحظة حضوره او انصرافه .
جواش ... جواش ... هل انصرفت فجأة دون سلام ..؟؟
قالها الرجل وهو يتلفت حوله والدهشة تسكن ملامحه ..
ومن جديد مرت برهة قصيرة ظل الرجل محدقا فى الفراغ صامتا ثم صدر صوت الفرقعة مجددا بجوار مقعد الرجل الذى إلتفت الى يساره بنظرة ملؤها العتاب والاعتراض ..
ماذا دهاك يا ...
لم يكمل سؤاله حيث قاطعه الصوت بنبرة حادة لا تقبل النقاش .
- لقد رفضوا الاذن ... ما من مجال ياصاحبى والا احترقنا سويا فى ذات اللحظة التى نعبر فيها البعد الزمنى للمستقبل .... ليس عن طريقى هذه المرة فلطفا منك ان تقدر ذلك ..
هز الرجل رأسه فى أسف وتفهم وهم ان يقول شيئا فعاد الصوت يقاطعه من جديد ..
- لكننى سأحاول تلبية طلبك بصورة مغايرة لعلك من خلالها تتوصل الى بعض ما كنت ترنو إليه ..خاصة اسرار البوابة الأخيرة ..
هيا استعد الى الانتقال روحا وجسدا ...لكن إلى تلك الليلة الفارقة ..!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان خلال رحلة الانتقال روحا عبر الزمن يظل ساكنا دون حركة ثم يتنفس ثلاثا فيملأ رئتيه بآخر نفس فيكتمه فى صدره لفترة يتخلل فيها جواش جسده ساريا عبر كل خلجة من خلجاته فيصيبه ذلك بالدوار الشبيه بالاغماء ثم ما يلبث ان يشعر بأنه يتمزق داخليا كمن مر من نافذة زجاجية مهشم زجاجها الى حواف مدببة قاطعة حتى يشعر أخيرا بتحرر الروح من قيد الجسد فينطلق به جواش عبر انفاق مظلمة كالدوامات حتى يصل به الى اللحظة الزمنية المنشودة ..
اما الان فقد امره جواش ان يخلع ملابسه تماما ويغمض عينيه فى وقفة ثابتة لا يتحرك فيها اى حركة ... شعر بكف جواش تلامس راسه والكف الاخرى تضغط على صدره بقوة ثم تنسحب الكف التى اعلى الرأس لتستقر على اعلى منتصف الظهر لتضغط هى الاخرى عليه بقوة شعر معها ان الكفين قد اخترقتا الرئتين من الامام والخلف وما عاد له من امكانية للتنفس ... كادت ان تنطلق منه آهة ألم عندما سمع صوت جواش يقول
. وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ..
رددها جواش ثلاثا وإذا بفرقعة يعلو صوتها مخلفا دخانا ابيضا كسحابة كثيفة فى وسط الحجرة سرعان ما تلاشى ليكشف عن اختفاء الرجل !!!!
.......
......
......
ظلام كثيف كثيف ثقيل ثقيل ثقيل ..
شعور بالاختناق لصعوبة التنفس تماما ..
برودة غريبة تسرى فى اوصاله كأنما قد اصابه التجمد ..
عدم استطاعة الحركة وكأن الجسد قد شلت جميع اعضاءه ..
حاول ان ينطق فلم يستطع وكأن فمه مكمم ... حاول ان يحرك يديه او قدميه فلم يستطع رغم احساسه بهما وكأن هناك من يقبض على كل اعضائه بقبضات قوية ..
تناهى الى سمعه صوت زحزحة واحتكاك قوى جدا واصوات تتحدث لغة غريبة لكن سرعان ما شعر بعقله يميزها بسهولة وكأنها لغته المعهودة ..
سيضرب الموت بجناحيه السامين كل من تسول له نفسه ازعاج صفو الملك ..
... أنت يا من تجسر على تدنيس درب مركب الشمس الى رع العظيم ... سوف تتمنى الهلاك لتنجو مما سيحيق بك ..
الان نغلق باب الحياة الأولى لظلك على الأرض أيا رع العظيم لتفتح لنفسك بابا آخر لرحلتك نحو الخلود ..
كاد عقله ان يجن وهو يدرك حقيقة الأمر ... أيعقل هذا ؟؟؟
هاهو صوت الزحزحة والاحتكاك يزداد قويا فشعر بطيات الظلام على عينيه تزداد اكثر واكثر وهى تطبق عليه ثم ساد السكون الرهيب كل شىء .
_ يا إلهى ..رحماك.... ...!!!! إننى هنا فى تابوت الملك خوفو وقد وضعوه للتو فى حجرة الدفن السرية بالهرم الأكبر ...
ويلك ياجواش ..!!! أين أنت وكيف تفعل بى هذا .؟؟
..
شعر بضغط داخلى يكاد يحطم عظامه لاحساسه بأنه يتنفس ربع نفسه الطبيعى خاصة مع احساسه بالعجز التام عن الحركة ... زاد القلق والتوتر به وما عادت لعقله القدرة على التفكير او الادراك فلزم السكون يحاول ان يستجمع شتاته ليفهم السر وراء اختيار جواش لهذه اللحظة المميتة وكيف عساه سينجو منها ..
مرت برهة من الزمن لا يدرى مداها حيث باتت الثانية الواحدة وهو داخل التابوت وجسده مربوط بتلك الاربطة من الكتان وعليه تلك الحنوط الغريبة كأنها وحدها دهرٌ طويلٌ ..
كاد الهواء القليل داخل التابوت ان ينفذ معلناً موته الغامض فأخذ يطلق ما استطاع ان يصدره من صوت بدا كهمهمة متحشرجة مذبوحة متقطعة .. وما هى الا لحظات حتى توقفت الهمهمة وسكن الجسد فى استسلام عندما عاد إليه صوت الزحزحة والاحتكاك من جديد وكأن احدا يفتح التابوت مجددا ..
شعر بالهواء افضل عما سبق وان كان مازال لا يمكنه من التنفس بشكل طبيعى ...
فى لحظات تناهى الى سمعه اصوات من يتحدثون بلغة بدت لأول وهلة غامضة ليست كتلك التى سمعها اولا وهم يغلقون عليه التابوت بل كانت لغة اشبه بالطقطقات كأصوات طقطقة متقطعة سريعة ...
انتبه بكل ما يستطيع فإذا به يدرك فحوى الاصوات وتركيبها اللغوى ... عجباً !! فهذه الميزة كان يمنحه اياها جواش فيما سبق ..هاهما يتحدثان .. انهما كائنان يقول الأول للثانى :
هاهو الجسد المختار وعاءً لمفتاح البوابة ..
رد الآخر ... يجب النزول به الى مقره فى ارضنا ليحفظ فى مستودعه الأمن ..
شعر بايدى كثيرة ترفعه من التابوت وتتحرك به فى خفة ثم سمع صوت ازاحة واحتكاك غطاء التابوت يعود الى مكانه ثانيا ..
توقفت حركة حامليه لثوان فشعر بتلك الاربطة التى تلف وجهه ورأسه وقد اخذت تفك سريعا ... اجتاحته مشاعر كثيرة متضاربة
هل يفرح لكونه سيرى ويتنفس بحرية ؟؟ ام يخاف ان يرى من يحملوه وجهه فيعلمون حقيقته ؟؟؟
هل يحاول ان يتواصل معهم باى طريقة ؟؟؟ ام يصطنع السكون والثبات كأنه جثة بالفعل .؟؟؟
قطع عليه تساؤلاته عندما انكشف آخر الاربطة عن وجهه كتم انفاسه واغمض عينيه وان حاول ان يترك فتحة ضئيلة بين الاهداب يتلمس منها الرؤية فما رأى الا يدا زرقاء اللون تمتد الى وجهه ويمسح الابهام فيها على جبهته بشى لزج سبب له احساسا بالحرارة الشديدة التى سرعان ما امتدت لتسرى فى جسده كله .... ابتعدت اليد عن وجهه فغامر بفتح عينيه قليلا ليرى ما حوله ..انه محمول على اعناق ثلاثة كائنات يقفون صامتين ساكنين وامامهما كائنان اخران يبدو انهما صاحبى الحوار ذى الطقطقات الذى سمعه منذ قليل ... هى هذه اذاً حجرة الدفن المقدسة للملك خوفو..لكن ما عساها تكون تلك الكائنات التى يشع من جسدها الازرق هالات من ضوء ..؟؟ انهم يذكرونه بذلك الكائن الذى شاهده يتحدث إلى أليستر كراولى فى الهرم .. هم من الجن إذا .
..استطاع اخيرا ان يتنفس وقد شعر ان هناك تيارا من الهواء يتسلل فيتخلل حجرة دفن الملك .. .؟؟
تقدم احد الكائنين فى المقدمة ليجلس على غطاء التابوت واخذ يصدر اصوات كهمهمة مكتومة كانت هالته الضوئية الزرقاء تزداد اشعاعا مع تزاديد صوت الهمهمة ..
فتح الرجل عينيه ليرى المشهد اكثر وقد شرع باقى الكائنات فى اصدار تلك الهمهمات بصوت تزايدت حدته حتى كادت ان تصم اذنيه... ازداد الضوء الازرق بصورة قوية حتى كاد ان يعمى بصره فسلطه على ذلك الكائن القابع فوق غطاء التابوت والذى هيئ له ان حجمه قد تضاعف فصار فى هيئة كتلة صخرية ضخمة تزداد فى حجمها حتى غطت المسافة بين ظهر التابوت وبين سقف الحجرة كإنما يصنع ضغطا ما على التابوت وعندها بدأت بعض الحجارة فى الجانب المقابل للتابوت تتحرك ببطء وتتباعد وتتداخل بطريقة معقدة كاشفة عن فتحة واسعة فى الارضية امام الكائن الواقف فى الامام عندها كفت الاصوات عن الهمهمة فتقدم الكائن الواقف لينزل الى تلك الفتحة وتبعه الثلاثة حاملو الجثة فإذا بالصخرة التى تحملهم قد اخذت تغوص الى الاسفل قليلا حتى تجاوز انخفاضها بالكائنات حافة ارضية الحجرة عندما قفز الكائن الاخير الذى كان فوق ظهر التابوت لينضم إليهم فتحركت الصخرة سريعا مصدرة احتكاكات رهيبة تنم عن تحركات اخرى لصخور كبيرة اسفلها مع انغلاق الفتحة التى حدثت فى ارضية حجرة الدفن بصورة قوية وكأن المفتاح الذى فتحها نزع من موضعه فردت الى مكانها الاول بقوة ..
يالها من طريقة للرصد الحركى لم تكن لتخطر على بال الابالسة !!!
لهذا السبب لم يعثر على ممياء الملك خوفو مطلقا !!
هكذا حدث الرجل نفسه وهو ينظر بعينيه فيما حوله على اثر ما تشعه اجساد تلك الكائنات من ضوء ... استمرت عملية الهبوط فى جوف صخور الهرم الغريبة بشكل عامودى لفترة ليست بالقصيرة حتى شعر الرجل انهم قد وصلوا الى قواعد الهرم الاولى وتجاوزها الى باطن الأرض اسفل الهرم...
مرت عليه عدة خواطر تذكر على اثرها تلك الكلمات ..
هاهناك حيث ارشدك ... شيد منطلقى بمراكب الشمس نحو النجوم
فى تلك الأرض حيث رسمت لك بنورى الذى يضيىء الارض كل صباح تكون خطوط قاعدتى ..
...
فتح اللفافة البردية والعجب يأخذ بملامحه ليفاجأ برسومات وخطوط وابعاد وارقام مفصلة لما يشبه الهرم الضخم واسفل الرسومات كتابات هيروغليفية تصف وتحدد شكل ووزن قطع الاحجار فى كل مستوى من القاعدة حتى القمة ومواضع الفتحات والحجرات والممرات وطريقة وضع الارصاد بأنواعها المختلفة..
..
أنا أيواس !!!!
من هنا يجب ان ينطلق معبدنا ... ومن هنا يجب ان يكون اللقاء
لقد اقمنا هذه البوابة منذ ألاف السنين .... لكنها دوما تحتاج الى طاقة ضخمة حتى تستطيع العمل لتكون المفتاح الذى يفتح سائر البوابات معاً !!
هاهو الجسد المختار وعاءً لمفتاح البوابة ..
رد الآخر ... يجب النزول به الى مقره فى ارضنا ليحفظ فى مستودعه الأمن ..
اخترقت الكائنات الزرقاء ممرا طويلا متعرجا يميل الى الانحدار بسرعة غريبة بدت حركتهم فيها كأنهم لا يسيرون على اقدامهم ولكن ينطلقون بلا ملامسة للأرض وحاملو الجسد المحنط مازالوا ممسكين به حتى توقفوا امام مكان فسيح كأنه طرف غابة مهجورة بدت للرجل الذى يختلس الانظار من موضعه فوق اكتاف الكائنات كانها غابة حجرية تبدو جذوع تلك الاشجار انها بالفعل صخرية
كما بدا افقها رمادي اللون ..
تقدمت الكائنات الى موضع يبدو كصندوق مستطيل كبير الحجم كأنه من الرخام الاخضر فإذا فيه ما يشبه التابوت ... رفع الثلاثة الذين يحملون الجسد ليضعوه فى ذلك التابوت مصدرين اصوات الطقطقات ...انصت لها الرجل بتركيز فتكشفت حقيقته لعقله فاستمع لهم يقولون وقد اراحوا جسده الملفوف فى ذلك التابوت مرددين
هاهما مستودعك أيا ساكن جسد ابن البشر الطامع فى الخلود ..
بسر ما امليته عليه تكون الناظر للموعد المرتقب ..
عندما يسطع النور من عين النار تتوقف افلاك المدارات لتشكل ذات المدار..
يكون جسدك هو المفتاح ..
يكون الفتح الاكبر لنا جميعا ..
ابتعدت الكائنات عن التابوت تاركة اياه بلا غطاء والرجل ينظر بدهشة وفزع فإذا بنور يسطع فوق رأسه يرى من خلاله كما لو ان شاشة عرض تعرض مشهدا لعدة كواكب تدور معا بجوار بعضها فى دائرة مركزها كوكب اخر تكاد جميعا ان تتلامس ... دقق النظر فيها..جميعها تشبه كوكب الارض بشكله الجغرافى المعهود مع بعض الاختلافات فى تكوين شكل اليابسة وتوزيع المياه ...
. احدها يدور بسرعة فتتغير مشاهد سريعة تبدو خاطفة للبصر شاهد فيها الرجل مشهدا قد ثبت على ظهر الكوكب رغم دوران الاخير بسرعة ...
جسد لكائن ضخم مسربل بالنيران مسلسل بقيود ضخمة يجلس على كرسى كالعرش يعلوه شعار لعين تشع منها النيران بتوهج وهو يهم بالنهوض محطما قيوده.....دارالكوكب ليحتل آخر محله فى دورانه السريع ليظهر مشهد جديد لجبل من الفولاذ ينصهر ليصير كالحمم متفتتاً ومن وراءه كائنات بشعة تتقافز لتجتاز ذالك الجبل المتفتت ... اختفى الكوكب ليحل آخر وآخر وآخر محله فى تتابع كما لو انهم جميعا كوكب واحد فإذا بمشهد آخر يتصدر الرؤية لبوابات متتالية سوداء فى قاع من الجحيم تتفتح ببطء وصياح وصراخ عظيم من خلفها لكائنات توشك على الانطلاق ... وإذا بالكوكب الذى فى المركز هو الارض التى يعرفها جيدا يتصدر المشهد فتختفى الكواكب الاخرى من حوله وكأنها قد غاصت فيه اثناء دورانها واذا بملايين الاشخاص تهتف باسم ملك العالم الآخر تمجده وتسجد له عابدة وهم حول هرم ضخم تعلوه كرستالة زجاجية ضخمة بها عين متوهجة انوارها تعمى الابصار وفى لحظة انفجر المشهد واذا بالكوكب يشتعل بحمم كما انفجار البراكين ..
تأمل المشهد وتخيل ماذا يعنون عندما استحكمت به الرهبة وغلبه الرعب فأطلق صرخة فزع كأنها رجت الدنيا بأسرها انتبهت لها كل الكائنات الزرقاء التى انطلقت تجاه التابوت فى توحش وتأهب ..
دارت عيناه فى محجريهما رعبا وهو لا يستطيع الحركة عندما احاط به العديد من وجوه بشعة زرقاء اللون وفى ذات اللحظة مرت يد احد ما على وجهه فكأنما طمست بصره وشعر بجسد آخر يلقى فى التابوت الى جواره وشعر بنفسه كأنما يختطف اختطافا من مرقده لا يدرى ماذا يحدث غير ما وصل لسمعه من صوت يردد ..
ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم ...
.. على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ..
.. على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ..
..
شعر بنفسه كأنما يطير بسرعة مخترقا حجبا كثيرة والصوت يردد فى اذنه ..
وإنى عليه لقوى أمين ....وإنى عليه لقوى أمين ..
صاح وقد تهللت اساريره .... أهذا أنت ياجواش ؟؟؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمت بحمد الله
بقلمى / علاء الدين هدهد

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏ليل‏، و‏‏نبات‏، و‏شجرة‏‏‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏

الخميس، 22 ديسمبر 2016

على مقهى فى حي الحسين !!


على مقهى فى حي الحسين !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قصة .....لكن حقيقية ..
...
..
ــ بس انتَ اسأله عنها ومن امتى سابته وبعد كده سيبه بقى و هو هايشتغل لوحده ..
هكذا قال لى صديقى عن الرجل ...وهكذا اصطحبنى الى المقهى التى يداوم الجلوس عليها فاشار لى ناحيتة ثم قال ..
ــ هاستناك هنا قدام القهوة ..
تقدمت داخلا المقهى وانا اتفحص الرجل ...يبدو طبيعيا لا يميزه او يعيبه شىء .
جلست على مقعد بجانب مقعد الرجل دون كلام لبعض الوقت ثم تلفتُ حولى بهدوء وبصوت هامس سألته .
ـــ يعنى من امتى اخر مرة شوفتها ؟؟
هز رأسه دون ان يلتفت لى ثم أغمض عينيه لبرهة وظل صامتا ..
اقتربت برأسى منه أكثر وهمست له ..
ـــ يعنى هى مشيت لوحدها كده ولا انت زعلتها فى حاجة ؟؟
ارتعش جسده كمن مسه تيار كهربائى وفجأة ..
قام كالمجذوب متجها الى الحائط القريب يتحسسه صائحاً :
.
هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ منْ مُتَـرَدَّمِ ...... أم هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بعدَ تَوَهُّـمِ
.
افزعنى صوته حقاً فجفلت منه منكرا تصرفه ...انتبه كل الجالسين حولنا...مددت يدى لامسك ذراعه بلطف اجذبه ليجلس وانا ارمق العيون التى تعلقت متحفزة علينا ثم قلت مخاطبا اياه برفق..
ـــ طب بس استهدى بالله وافتكر كويس ..كان من اسبوع فات ولا عشر تيام لما سابت البيت وطفشت ..؟؟؟
نظر ناحيتى ثم التفت الى الحائط ومد يده على امتداد ذراعه ليمسح عليه مردداً :
.
أمر على الديارِ ديار ليلي ............... أقبلُ ذا الجدارِ وذا الجدارِ
.
ـــ يادى النيلة .!!!..ياعم الله يهديك انت وست ليلى ...قولى مراتك اتهببت وهجت من وشك أمتى وليه ..؟
.
إلتفت مقترباً منى وعيناه كجمرتين فوق حجر الشيشة ثم مد يده فأمسك بكوب الشاى الساخن على المنضدة امامى وباليد الأخرى امسك بفنجان قهوة من مائدة أخرى بجوارى ثم رفعهما عاليا وهو يسكبهما محملقاً فيهما والدخان يتصاعد منهما .
.
تَـقُـولُ وقَـدْ مَـالَ الـغَـبِـيْـطُ بِـنَـا مَعاً...... عَقَـرْتَ بَعِـيْرِي يَا امْرأَ القَيْسِ فَانْـزِلِ
.
ـــ الله ينكد عليك يابعيد انت وليلى وقيس فى يوم واحد ....كده غرقت البنطالون وبهدلتنى يامهفوف فى عقلك ..
صحت فيه وقد هببتُ واقفا امسح ملابسى و اتمتم بكل كلمات السباب وجميع من فى المقهى قد انفجر فى الضحك الهستيرى فى حين صاح احد الرجال فى وجهى قائلا :
ـــ ابعد عنه الساعادى ..
اشحت بوجهى عنه مستديراً لأغادر المقهى وانا ألعن اللحظة التى كلمنى عنه صديقى وعن زوجته وعن تخاريف الشعر التى تستحوذ عليه ..
واذا بالصوت ينفجر من خلفى صارخاً ..
.
ودّعْ هريرة َ إنْ الركبَ مرتحلُ ....... وهلْ تطيقُ وداعاً أيها الرّجلُ
.
طوحتُ برأسى إلى الخلف دون ان ألتفت إليه صائحا ..
ربنا يخدك انت وهريرة فى ساعة واحدة ياشيخ ..
أيوه هاطيق ..مالكشى انت دعوة جتك الهم والغم اكتر واكتر م اللى انت فيه ..
اتانى صوته بنفس نبرة الصياح وقد خالطها البكاء :
غَرّاءُ فَرْعَاءُ مَصْقُولٌ عَوَارِضُها .. تَمشِي الهُوَينا كما يَمشِي الوَجي الوَحِلُ.
..
ـــ يا أخى عن ابوها مامشيت ولا اتنيلت كمان ..جتك الوحل اللى يوحلك يامجنون دا أنت راجل ......
لم اكمل الجملة حيث اصاب رأسى من الخلف كوب زجاجى به ماء مثلج ...شعرت بالألم يجتاح رأسى الذى نزف بالتأكيد وسمعت صوته صارخا يهرول ورائى..
.
إذا ذهبَ الحمارُ بأمِّ عمرو ....... فلا عادتْ ولا عادَ الحمارُ.
لم ألتفت لأرى من ذلك الذى قذفنى بالكوب بل اطلقت لساقى العنان جاريا اتخبط فى زحام المارة فى الشارع وإذا بى ألمح صاحبى واقعا على الارض ينظر إليَّ ممسكاً ببطنه من شدة الضحك ... ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علاء الدين هدهد

الأحد، 17 يوليو 2016

آه ياولااااد الـ .......!!!!


.
الاحد 17 يوليو 2016
ـــــــــــــــــــــــ
قصة بقلمى / علاء الدين هدهد
..
كان الشيخ الذى تجاوز السبعين مازال مستمرا فى حديثه وسط استماع وانصات من سائر الحضور الذين تعلقت ابصارهم به غير مقاطعين له الا مهللين تارة مكبرين اخرى مصفقين احيانا....
العمائم تعلو هامات الجالسين على المنصة تتمايل رؤوسهم انتشاءً وكأنما هم فى حلقة ذكر وجدانية ..
قام احد الجالسين من الحضور مبتسما رافعا يده كأنما يستأذن فضيلة الشيخ ...
كان الرجل انيقا مهندما كما رجال الاعمال ذوى المهابة والسلطان .
توقف الشيخ عن الكلام ناظرا اليه فقال الرجل بصوت هادىء رزين ..
ــــ ربنا مايحرمناش من فضيلتكم يامولانا.... كنت عاوز اخد رأيكم فى امر مهم ليا ..
نظر الجالسون على المنصة بجوار الشيخ اليه صامتين فقال له الشيخ :
ـــ خيراً يابنى بإذن الله ...تفضل ..
ـــ والله ياسيدنا انا صاحب مجموعة شركات تجارية كبيرة قوى ....استلمتها وكان موقفها الاقتصادى متعثر وبحمد الله هى دلوقتى بقت من افضل المجموعات العالمية ومشهود لها بالجودة والتقدم ..
هز الشيخ رأسه اعجابا وقال :
ـــ خير والحمد لله ...
استطرد الرجل مكملا :
ــــ لكن انا عاوز اقولك على شوية حاجات وبتمنى انك تصبر وتسمعنى لحد ماخلص كلامى ..
رد الشيخ وعلامات الدهشة تسكن ملامحه ..:
ـــ اتفضل يابنى بس اوجز الله يخليك ..
ــــ حاضر يامولانا ....الامر وما فيه انى مسلم والحمد لله بس طبيعة عملنا كرجال اعمال خلتنى فى مقابلاتى مع الاخرين مضطر يعنى ....انى اشرب الخمور بكل انواعها ....
( احمرت عينى الشيخ وهمهم الحاضرون جميعا استنكارا لكن بإشارة من يد الشيخ سكتت كل الاصوات )..
..وكمان من ناحية ادارتى الشخصية لالاف العاملين فى شركاتى فأنا مدى لكل واحد حريته الكاملة .. الموظفين كلهم عندى احرار فى معتقادتهم وافكارهم وسلوكياتهم ... والرجالة منهم ...يعنى ...اقصد ....كل واحد واللى بيعجبه بيعملوا ....فمثلا احنا موافقين على زواج المثليين وممارسات الشواذ للجنس زى ماهما عاوزين ...ونا من نحيتى شجعتهم وعملت لايحة عامة تحمى حقوقهم ...
سقط الشيخ من وقفته على مقعده مذهولا والجميع ينظرون اليه والى الرجل وكأن فوق رؤوسهم الطير .
استمر الرجل فى حديثه قائلا ..
اما بخصوص الموظفات ..فكل الحرية مديهلهم برضو ....يعنى اللى تحب تعمل اى حاجة بتعملها ... اللى عاوزة تروح عن نفسها مع زميلها مافيش مشكلة ..واللى عاوزة تمارس الجنس فى اى وقت تدخل اى مكتب فاضى وتعمل اللى هي عاوزاه ..
..
انهالت الصيحات معترضة صارخة وضجت الصالة كما هزيم الرعد توشك ان تنفجر ..
ارتفع صوت الرجل اقوى ليجبرهم على الانصات ..
ــــ ارجوكم اسمعونى ...اسمعووووووووووووونى ...
انا قدرت احقق ارقام قياسية فى كل المجالات ....وانفتحت بشكل كامل على التعاون والتجارة مع اسرائيل علشان احقق اكبر دخل بين كل الشركات التانية وكمان عملت ...
نهض الشيخ مقاطعا صارخا بصوت مدوى ....
ــــــــــ سكتووووووووووووووووووواااااااا الملعوووووووووون ده ...
نهض الجميع مسرعين يحيطون بالرجل يكادون ان يفتكوا به بينما سارع هو بالجرى الى اعلى المنصة ليلتقط الميكروفون ويجرى ليمسك بالشيخ واضعا ساعده الايمن حول عنقه متخذه درعا له وموجها الى رأسه مايشبه المسدس الصغير بيده اليسرى....تراجع الجميع مرعوبين وسكنت مقاومة الشيخ بينما ظل جسده مرتعشا يتمتم بكلمات وهمهمات مستنكرة غير واضحة .... استكمل الرجل كلامه بصوت طليق سريع وكل الحضور ينظرون متآهبين ينتظرون اللحظة التى تتخطفه اياديهم .....
ــــ يااااااا مولااااااانا....الله يخليك ... اشمعنى انا بس ..هو انا عملت ايه غلط يعنى ....يعنى هو حلال لأردوغان وحرام عليا وعلى الغير ...
حاول الشيخ التملص من قبضة الرجل وهو يقول :
ـــــ اسكت يا كاذب ...أردوغان ده سيدك وتاج راسك وراس الكل ...ده عنوان الرجولة والاسلام ...
ــــ بس والله العظيم ياشيخنا ده بيشرب الخمور برضو وبيرقص مع النسوان العرايا وبيتصور مع .....
ــــ اخرس يا تااااافه ..
ــــ طب ورب الكعبة يا عمنا ده بيأيد الشواذ وبيدعم زواج المثليين ومخلى الدعارة نشاط اقتصادى رسمى فى البلد ومرخصها كمان..
ـــ اخرس يافاجر ده بانى الجوامع والمآذن وحامى الحمى وصاحب نهضة تركيا ...
ــــ طب والله العظيم يا مولانا انا كمان عملت الدور الارضى فى الشركة بتاعتى جامع وفاتج بيوت ألاف الناس برضو وبحقق نهضة اقتصادية عملاقة ..
ــــ ملعون انت وشركتك وناسك ونهضتك ..
ـــ طب احلفلك بإيه انه اعلن التطبيع الكامل مع الصهاينة وبيتاجر معاهم وكمان حرامى بيسرق ثروات العراق وسوريا وبيساعد داعش بالسلاح والفلوس وبيورد لهم المرتزقة من كل اوروبا ....
ـــــ مهما تحلف يافاسق ...مهما تقول يامنافق برضو اردوغان خليفة العصر والاوان ..
ان الله معه والملائكة وجموع العلماء والناس من بعد ذلك ظهيرا ...
سكنت الدهشة والتعجب ملامح الرجل فارتخت قبضته عن الشيخ للحظة ...
انفلت الشيخ بمكر من تحت ساعد الرجل واستطاع الفرار بعيدا عنه فارتمى جانبا وهو يصرخ :
ــــ ياااااااااعباد الله ...هلمواااااااااا ....اقتلواااااااا الفاجر العاهر الكااااااافر ...
انهالت الايادى والصيحات تمزق الرجل شر ممزق بينما صرخات الوجع تصدر منه عالية من خلال الميكروفون الذى كان مايزال ممسكا به ..واذا به من وسط الجموع الضاربة الصارخة الموشكة على قتله يقول ؟؟
ــــ يااااااااااا مولااااااااااانا ...انا مستعد اشغل كل كل كل اللى تبعتهم ليا من طرفك ومن جماعتك فى شركاتى وبإجور ومرتبات رهييييييييييبة ...
نظر الشيخ الى الجموع المتشابكة والمشتبكة مع الرجل ورفع يده عاليا فتوقفت حركة الجميع لكنهم مازالوا متحلقين حول الرجل ...
نهض الرجل من الارض وقد تمزقت ثيابه وتلطخ وجهه بالدماء وهو يقول :
ــــ وكمان يامولانا.....انا ....انا هاسكنهم فى العمارات اللى بملكها ....وببلاش ...مش عاوز منهم اى فلوس ..
تبسم الشيخ هو وذوى العمائم فى رضا ..
اكمل الرجل .
ــــ ومش بس كده ....انا اتشرف ....اتشرف بجد ...انك تكون المستشار الدينى لشركتى وبالمرتب اللى تحدده فضيلتك وبالدولار كمان ...
ضحك الشيخ سعيدا وهو يقول :
ـــ وسعوا السكة لاخيكم ياعباد الله ....ابشروا بالفوز العظيم .....تعال يابنى تعال ....مش كنت تبدأ كلامك بالبداية الصح ....
البداية مهمة قوى يابنى ....تعال... ربنا يبارك فيك وفى شركاتك ...
تقدم الرجل الى الشيخ بخطى بطيئة عارجا تارة ومترنحا اخرى جراء ماناله من ضرب مبرح وهو يتمتم فى سريرته ..
ــــ آه ياااااولااااااد الحرااااااااااااااااااااااام ..
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
............... تمــــــــــــــــــــــــــــــــــــت ..........................................
بقلمى / علاء الدين هدهد

الاثنين، 27 يونيو 2016

القط الاسود والحيوانات



الثلاثاء 28 يونيو 2016
ـــــــــــــــــــ
قصة بقلمى / علاء الدين هدهد
..
..
تمطت القطة البيضاء ومدت قدميها الاماميتين فى تعابث  ثم اغمضت عينيها وهى تتثنى وتلتف متمسحة فى القط الاسود وفى حركة استسلام نامت تحت المقعد بينما استمر القط يلعق رأسها وشعر جسدها الناعم فى تودد ..

...
كانت تقف امام المرآة تنهى اخر زينتها عندما تقدم واقفا خلفها مطوقا ذراعيها  العاريين وكتفيها وهو يقبل عنقها قائلا :
ـــ شفتى بقى ان رأيي كان صح ...ادى اختيارى للفستان الاسود ده خلاكى مثيرة جدا ازاى  ..
ضحكت ضحكة فاترة وهى تنظر اليه فى المرآة قائلة :
ـــ ايوه بس ده عريان قوى ونص صدرى باين ياراجل ..!!!
استمر فى تقبيل عنقها ثم ابتسم متجاهلا ملحوظتها وقال ..:
ـــ الليلة دى لازم تمسحيهم كلهم ...دى اول حفلة لينا بعد الجواز ...كل واحد جايب مراته وكل واحدة هاتلاقيها متشيكة على الاخر ..
...
امتلأت الشقة بالزائرين ....موسيقى البلاك ميتال  الصاخبة ترج الاجواء ...الضحكات تتعالى مع قرقعات الكوؤس ...عبارات الترحيب الحار واحضان اللقاء والقبلات تطوف مع الزينات العديدة المعلقة فى كل مكان ...
..
بعض الزائرات اصطحبن معهن قططهن فى تنافس بينهن ايهم اغلى واكثر اناقة ..
..
ــ الصراحة ...الجو بقى غريب قوى ماكنتش متخيلاه هايبقى  بالشكل ده .؟؟
قالت هذا وهى تنظر الى زوجها وتنظرالى المحيطين بهما فى الغارقين فى  الرقص واللهو ..
ضحك قائلا وهو يمد يده لها بكأس مملؤة :
ـــ انت لسه شفتى حاجة ....لسه اللى جاى احلى .. 
..
القطة البيضاء تجرى  لتقفز فوق احد المقاعد بينما احد القطط الزائرة يلاحقها ..
..
على اريكة فى احد الاركان ...مالت احداهما على الاخرى هامسة وهى تزحف بأناملها على خصلات شعرها الذهبى اللامع المنسدلة فوق كتفها :
ـــ دى اول مرة ليكى ...  مش كده ..؟؟
هزت رأسها تأكيدا وهى تنظر اليها  ثم ابتسمت   ماسحة طرفى شفتيها بطرف لسانها ولم تنطق ..
ــــ على فكرة ...معانا عمرك ماهتحسى بالرتابة  ولا الملل ... معانا كل يوم فيه جديد وكل يوم فيه متعة مختلفة ...
ردت الثانية وهى تزم شفتيها وتلوكهما  كمن تتذوق شيئا وعيناها تنظر الى الجمع المحيط فى الشقة ..
ـــ بصى بصى ....وااااو ...ايه رأيك .؟؟؟
نظرت الى حيث اشارت  ثم تعانقت عيونهما فى نظرات متفهمة وهى تهمس ..
ـــ يابنت الأييييييه !!!
اطلقت الاثنتان ضحكاتهما وهما ترفعان كأسيهما لتعبا جرعات الشراب فى نهم ..
..
قطان اخران انضما الى القط الذى يتعقب القطة البيضاء وصار الثلاثة يزومون فى مواء مكتوم حولها ..
..
ـــ اعرفك بمراتى ... ايه رأيك فى الجمال ده .؟؟
 ابتسم الرجل ثم انفرجت شفتيه عن ضجة صاخبة مقهقها وتقدم تجاهها قائلا :
ـــ طول عمرك حظك بمب ....روعة ياهانم ...روعة ...قال ذلك وهو يمد يده ليلتقط اطراف اصابعها يقبلها وهو يبتسم ..
.. سحبت يدها خاجلة وهى تنظر الى زوجها فعقد الاخير مابين حاجبيه اعتراضا منه وهو يهمس لها ...
ـــ فكك بقى من الكسوف ...شوفى اللى حواليكى بيعملوا ايه ... ثم استدار يواجه الرجل مخاطبا ..
ـــ امال فين مراتك ؟؟ المجرمة دى ماشفتهاش من اول ماسلمت عليها لما وصلتم ...
..
القطة البيضاء تطلق مواءً عاليا رغم ضجيج الموسيقى المرتفع سمعه القط الاسود فقفز من بين يدى احداهن وهى تضعه على ركبتيها واصابعها تداعب جسده...اطلقت  صرختها المتألمة وهى تسب القط ممسكة بفخذها..
ـــ خربشك الملعون   ..؟؟
ـــ ايوه ....
ـــ انا اداويلك الجرح بلسانى ولا يهمك ...
اطلقت ضحكتها الماجنة بينما قال رجل اخر موجها حديثه لامرة بجوار الاول :
ــ جوزك عامل نفسه دكتور ... انتى ماتعرفيش انى انا كمان دكتور ...
..
القط الاسود يهرول بينالاقدام مسرعا ليلحق بقطته البيضاء ..
..
احد الرجال  يراقص احداهن  متقافزا حولها كما قرود السعدان بينما هى تتمايل ثاملة ..
اقترب منه اخر مزاحما اياه فى الرقص فشرع كل منهما يحاول جذب الثاملة اليه بيده وسط تعالى الضحكات منهما  .
..
ــ انا
 دماغى لفت على فكرة ...آمال فين ...
قالت هذا وهى تترنح باحثة بعينيها شبه المفتحتين فيمن حولها فسارع الرجل بجوارها الى احتضانها حتى لا تسقط وهو يقول :
ـــ سيبك منه ...تلاقيه لقى اللى كان بيدور عليها ...خليكى معايا هنا ...
..
القط الاسود يهجم على احد القطط التى  تشاكس القطة البيضاء ويطلق مواءه الشرس مقوسا ظهره فى تأهب مخيف ..
..
ـــ انتى الليلة صاروووووووخ ..!!!
قال ذلك وهو يقترب منها وقد رفعت ذراعيها عاقدة كفيها خلف رأسها مسندة ظهرها الى حائط الشرفة
ردت عليه بنبرة غانجة وضحكة اكثر غنجا ..
ـــ ياسلام !!! ...ياراجل دانتا لسه فى شهر العسل  ....ايه لحقت بسرعة كده ...؟؟
..
القطط تشتبك مع القط الاسود وقد توارت خلفه القطة البيضاء منكمشة  فلطمه احدهم بأظافره الحادة على عينه مطلقا مواءً شرسا فى حين قفز   عليه القط الابيض يعضه مدافعا  ..
..
تقدمت ذات الشعر الذهبى وهى تشرب اخر مافى كأسها الى احد الرجال وهو يحدث اخرى فأمسكت برابطة عنقه جاذبة اياه اليها قائلة فى صوت ثامل ...ــ انت بتاعى ...  ضحك وهو يميل على صدرها من شدة جذبتها له عندما اختل توازنها فسقطت متمسكة بالرابطة فى يدها .
..
دخلا من الشرفة متعانقين متجهين الى احدى الغرف عندما إلتقى بصره ببصر من يحتضن زوجته الثاملة متجها بها الى غرفة مجاورة فتبادل كل منهما الابتسام  والتلويح بيده ...!!!!
.....
اخذت الضحكات تتعالى ..
والموسيقى تشتد صخبا ..
الاجواء يلفها غيم كما السحاب الابيض ..
 الرؤية صارت ضبابية لا يظهر منها احد من الجمع الهلامى .... فقط فى بؤرة من وضوح نرى  القط الاسود وهو ينزف من اكثر من موضع من جسده وقد تكاثرت عليه هجمات القطط ومازال صامدا متشبثا بموضعه ...
..
...................تمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت .......................................
قصة بقلمى / علاءالدين هدهد