الأحد، 19 فبراير 2023

 

فى حضن الركام
ـــــــــــــــــــ
استيقظ كعادته من نومه المتقطع ... احكم الغطاء على ظهر زوجته ونزل عن الفراش ليتجه إلى غرفة بنتيه الصغيرتين ليتفقدهما ..هل الغطاء محكم عليهما فى هذه الليلة الباردة أم انكشف من جسديهما النحيلين طرف دون غطاء ..
دخل الغرفة على الضوء الخافت بجوار الفراش .. الصغيرتان تغطان فى نوم هادىء والغطاء يلفهما ...ربت بيده عليهما واتجه ليخرج من الغرفة فى اللحظة التى شعر فيها بتحرك الأرض من تحت قدميه فى هزات سريعة متتالية كما ارجوحة يتقاذفها الهواء ... شله الفزع والمفاجأة للحظة واختل توازنه ...حاول التمسك وهو يقع ناظراً إلى فراش الصغيرتين وانطلقت منه صرخة على الطفلتين وهو يسمع طقطقة تشقق سقف الحجرة كما فرقعة مفزعة ... شاهد الحوائط تتساقط كتلاً وسمع اصوات سقوط وتحطم العديد من الأشياء كما اتاه صوت صراخ زوجته تناديه فى اللحظة التى سمع صرخات الطفلتين فى فزع ورعب .. ساد الظلام الغرفة... مد يده يمسك بطرف الفراش وهو يصيح على الطفلتين ليطمئنهما .... أنا هنا ... أنا ..هـ....
وفى لحظة شاهد رغم الظلام سقوط سقف الحجرة مطبقاً عليهم فى ذات اللحظة التى انشقت فيها أرض الغرفة فى عدة مواضع متهاوية لتبتلع الفراش ويسقط هو مرتطماً بقوة وعنف فى قطع من الحجارة والاتربة ..
اجتاحته أوجاع خاطفة ألمت بكل جسده حتى ما شعر بها من شدتها وهو يهوى متخبطاً ..
شقته بالدور التاسع فى العمارة التى هوت كلها فى ثوانى معدودات .
فقد الوعى لمدة لا يعلم قدرها ... هل هى لحظات أم ساعات ..ربما كانت رحمة من الله تلك الإغماءة التى اصابته ..
..
فتح عينيه ...لا يرى شيئاً ... يدرك أنه نائم على ظهره .. لا يشعر بطرفه السفلى اطلاقاً ... حاول تحريك يده اليمنى ... لم يستطع ..هناك شىء يقبض عليها بقوة يمنعها من الحركة..حاول تحريك اليد الأخرى .. تحركت فى مسافة ضيقة حتى استطاع وضع كفه على صدره ..هناك قطعة كبيرة عريضة كجدار أو جزء من سقف يطبق عليه عدا مسافة قبضة يد من رأسه وصدره .. الظلام دامس حالك ... نفسه يتردد ببطء .. ألم حارق شديد بدأ يستوعب وجوده فى جزءه الأسفل و الذى سحقه الحائط الجاثم فوقه .. حاول أن يلتفت برأسه يميناً أو يساراً .. استطاع ذلك فعلاً ومازال الظلام يتكتل طيات تمنعه من رؤية اى شىء ..
فى لحظة تذكر الطفلتين .. خفق قلبه ملتاعاً ...صاح بأسم الأولى ..خرج صوته مبحوحاً مخنوقاً ... شعر ببعض الأتربة فى فمه ... بصق ... أعاد البصق ... سعل .. أعاد السعال ... كاد أن يختنق ...واثناء سعاله ظن أنه سمع صوتاً ..
بابا ... بابا ...
كان الصوت واهناً خافتاً .. انها طفلته الصغرى ..
حاول التماسك والهدوء ... ابتلع بصعوبة ما فى فمه من اتربة ليستطيع النطق .. .... أنا هنا يا حبيبتى ... ماتخافيش .... سمعانى ..
ارهف السمع ... مرت برهة .. كرر نداءه .. حبيبة بابا ..!!!
صدرى يابابا ... صدرى بيوجعنى ..
اتاه الصوت المذبوح الواهن ... شعر بالألام تعصف به من وهن الصوت وهو الذى ماعاد يشعر بأوجاع جسده المسحوق تحت الركام ..
انسابت دموعه وهو يرد على الصغيرة .. انت لوحدك يا حبيبتى ... اختك ...
اختك معاكى ؟؟
مرت برهة طويلة وهو ينصت .. اتاه الصوت الخائر ... مش شايفة يابابا ..
..
صاح ينادى بأسم ابنته الأخرى ... مرة ... ثم مرتين .... لا اجابة ..
عاد يكلم الصغرى ... حبيبتى ... تعرفى تتحركى ..
اتاه الصوت ضعيفاً .. المكان ضيق يابابا ... فيه تراب كتير .. والحجر ده فوق صدرى بيوجعنى ..
حاول ان يشجع الصغيرة ... طيب يا حبيبتى معلهش ... تقدرى تبعديه عنك .. او تتحركى انت بعيد عنه ..
لا رد .... لا صوت .. ظل يكرر كلماته للصغيرة دون استجابة منها ..
مرت برهة
صارت ساعة
صارت دهراً من بحور الظلام ..
افاق على الألم يجتاح كل جسده
شعر بما بقى فيه من بقايا القوة ينهار
كاد أن يستسلم لنهايته عندما اتاه الصوت هامساً
آه ... آآآآآآه ...
استجمع ضعفه على وهنه ونطق بصوت بالكاد سمعه هو
حبيبتى ..
الصوت المكتوم يهمس .....بابا ..... فيه وجع يابابا ... حاجة مغروسة فى صدرى..
عطشانة قوى
..تعالى يا بابا ..
..
انهمرت دموع العجز فمنعته عن النطق ..
ومن بين الحسرة واليأس ومصارع الألام ما استطاع إلا ان يهمس .
.. يااااارب .. يارب .......رحمتك يا رحيم ..
ثم شهق شهقة نفسٍ مكتومٍ مخنوقٍ ثم شعر بنفسه كمن يسقط فى عمق سحيق دون قرار أو هواء ...
يسقط مسحوقاً ...
مخنوقاً ....
يسقط عاجزاً عن كل شىء ..
....
مرت ساعة
مرت ساعات
وزادت الساعات
وانسلخ من عمر الدهر يوم
مرت أيام ..
.....
...
الأصوات تتعالى
الأنوار تجتاح الظلام
الحجارة تتحرك
الكتل الخرسانية تنزاح
تمتد الأيادى لتلتقط الجسد النحيل فتنتشله من بين الركام ..
العينان تنفتحان فى براءة ملائكية
الصوت الواهن اشتد وهو يقول لعمال الإنقاذ
بابا جوه يا عمو ..
بابا مع اختى
كان بيشربنى أنا وهى اللبن
هاتهم والنبى ياعمو !!!!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــ تمت ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قصة بقلمى / علاء الدين هدهد

قد تكون صورة ‏‏شخص أو أكثر‏ و‏تحتوي على النص '‏‎SKY NEWS SCREEN SCREEN GRAB‎‏'‏‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق