الخميس 4 اكتوبر 2012
يوم الكرامــــــــــــــــــة ...
. غادر المترو منذ قليل محطة المرج ولم تكن العربة التى وجدت لى مقعدا خاليا فيها مزدحمة فى هذا الوقت مساءا ....مع صوت عجلاته وانطلاقه قررت ان اغفو قليلا الى ان تحين محطة نزولى ولكن اولئك الاولاد الذين تعالت اصواتهم فى حدة وهم يهمون بكشط اسم محطة الشهداء من لوحة اسماء المحطات الملصقة اعلى ابواب عربة المترو قد اطارت منى كل احساس بالنعاس ...
اسمها كان مبارك وهايفضل مبارك ياناكرين الجميل ومعدومى الاصل ...
هكذا صرخوا بعنف وهم يحاولون تنفيذ ازالتهم لاسم الشهداء ...نظرت الى الركاب ...الكل يحملق فيهم صامتا ...والاولاد يتعالى صياحهم ...
خدنا ايه من ثورتكم لحد النهاردة ....؟؟؟ قال شهداء قال ...!!!!
توقف المترو فى المحطة التالية ...صعد عدد من الركاب بينهم رجل تجاوز الستين من عمره يمسك فى يده عصا يتوكأ عليها ....سارعت الى القيام لاجلسه مكانى وهو يدعو لى بكل الخير ....
كان الاولاد قد ازالوا حرفى الالف واللام من كلمة الشهداء عندما صاح بهم احد الركاب الصاعدين مؤخرا ناهرا اياهم وثائرا عليهم فقابلوا ثورته بصياح وتجمع لمواجهته صائحين ...
احنا من ابناء الريس ...ولازم يرجع اسمه على محطته ويتكرم فى عيده...عيد النصر اللى صنعه بنفسه ...عيد اكتوبر و صاحب نصر اكتوبر صاحب الضربة الجوية ....
كنت اقف امام الرجل الذى اجلسته مكانى والذى شاهدت ملامحه قد
ثارت وسكن الغضب قسماتها فصاح من مجلسه بصوت اجبر الجميع على
الصمت والانتباه اليه ...
تعرفوا ايه عن حرب اكتوبر واللى حصل فيها يابنى انت وهو ...؟؟؟؟؟؟
ابتعدت من امامه قليلا ليراه الاولاد مواجها لهم فرد عليه احدهم قائلا :
نعرف كل حاجة ياعم ....نعرف ان الريس مبارك رفع راس مصر والامة العربية كلها وهزم اسرائيل ....والا انت شايف حاجة تانية ..؟؟؟؟
حولق الرجل هاززا راسه وقال ..
تعالى يابنى اكلمك شوية عن حرب اكتوبر وبعدين اعمل اللى انت عاوزه
...شعرت بنبرة حزن عميقة فى صوت الرجل لكننى احسست انه ملك علىّ نفسى وقد صارت جوارحى كلها منصتة اليه ...ويبدو ان هذا الاحساس لم يكن لى وحدى ..بدأ الرجل حديثه بصوته الواهن قائلا :
اللى تعرفوه عن حرب اكتوبر سطر واحد من كتاب ...بيت واحد من قصيدة طويلة ....ضربة الطيران الاولى كانت اهدافها تدمير مطارات هامة للعدو فى سينا وتدمير بطاريات الدفاع الجوى وتدمير اكبر عدد من مراكز القيادة ....قامت طيارتنا بكل ده فى غفلة من العدو ومفاجأة ليهم مكنت طيارتنا من تحقيق معظم المهام اللى انطلبت منهم ...
استمرت الضربة الجوية عارفين قد ايه ..؟؟؟ نص ساعة بالظبط !! من غير اى مقاومة ....لكن بعض الطايرات بتاعتنا قابلتها مقاومة فوق مطار رأس مصرانى من اربعة طيارات فانتوم اسرائيلية عارفين حصل ايه .؟؟
كانت الركاب صامتة تنظر وتنصت للرجل الذى اجاب ...:
سقطت مننا ست طيارات ....وكمان فى مكان تانى وجهت طيارتنا قوة من الدفاعات الجوية للعدو وقعت مننا طيارتين من نوع سوخوى واحدة منهم كانت بتاعة اخو الريس السادات ...الشهيد عاطف السادات ...
تعرفوا يابنى ان اللى كان متقرر للطيران انه يقوم بضربة تانية فى نفس يوم ستة اكتوبر بالليل ...بس اتلغت العملية ...طبعا علشان اسرائيل كانت فاقت من المفاجأة وبدأت تعد نفسها من جديد بسرعة ...
خلصت النص ساعة الاولى من اول يوم حرب ....بس هل الحرب خلصت والا ابتدت ..؟؟؟
هنا توقف المترو فى محطته التالية ....لم ينزل احد وصعد القليل من الركاب الذين فوجئوا بالتفافنا جميعا حول الرجل فكأنما اصابهم مس خفى جعلهم ينصتون لما يحدث ...
اكمل الرجل وهو يشرد ببصره كأنما يستعيد الماضى امامه ...
اكلمكم عن ايه والا ايه يابنى ....اكلمكم عن بطولات رجالة الصاعقة اللى كانت اسرائيل بتسميهم رسل الموت ...دول لو حدهم حكاية طويلة قوى ...
كانت مشاكل وعقبات العبور للقناة كتيرة جدا قدام ابطالنا ...واولها النابالم ....
انابيب النابالم كانت ملية القناة لو اشتعلت فى دقايق تغلى مية القناة بالنار ...رجال البحرية الابطال قدروا يسدوا كل الانابيب دى ...وقدروا يحاصرو ا اسرائيل لحرمنها من البترول ...تعرفوا ازاى عملوا كل ده ..؟؟
طبعا ماتعرفوش للاسف ....الابطال دول دمروا ابار البترول فى ابورديس وبلاعيم اللى كانت اسرائيل استولت عليهم بعد النكسة ...ومش بس كده دول وقفوا بقوتهم فى باب المندب علشان يمنعوا اى سفن تيجى لاسرائل بالبترول ....طبعا مافييش اى معركة حربية من غير بترول ...ادى دور لابطال مجهولين يمكن ماسمعتوش عنهم حاجة .
تانى مشكلة الساتر الترابى اللى كان اكبر من عشرين متر ارتفاعه ...احتاروا الخبراء السوفيت ازاى ندمره لحد ما جربوا يضربوه بالصواريخ وبرضو ما نفعش ...
ماحنا كنا بندرب على واحد زيه عملهولنا السادات فى الصحرا ...لحد ما قدر مهندس مصرى يبتكر موضوع مدافع المية واللى قدرنا نشق بيها ممرات ضخمة تعدى منها القوات والمدرعات من وسط الساتر ....ومش بس كده ...بعد الساتر فى خط بارليف الرهيب ...اقوى خط دفاعى عملته الجيوش فى تاريخ العسكرية ...
اكلمكم عن ايه يابنى ...اكلمكم عن المدفعية اللى فضلت تضرب عمق العدو واحنا بنعبر علشان تحمينا بعد الطيارات مارجعت قواعدها ...والا اكلمكم عن المهندسين العسكرين اللى فضلوا يزيلوا حقول الالغام الكتيرة جدا من طريق قوتنا ...والا اكلمكم عن سلاح الاشارة اللى دوخ اسرائيل وخلاها ماتعرفش تلتقط رسائلنا وتعليمات القيادة لينا ...
لو ماتعرفوش اعرفوا ان الاشارة هى عصب المعارك ....وغير كده الشئون الادارية ...ودى ببساطة لو وقعت انتهت المعركة ....الشئون الادارية يا اولادى يعنى لو خلصت ذخيرتك ووقودك واكلك وشربك ومافيش امدادات تبقى انتهيت خلاص ...
البطولة هنا انك تقدر وسط الحرب والمعارك والتفجيرات توصل لرجلتك وتمدهم بالناقص عندهم ....
كان الاولاد ينصتون الى الرجل وان بدا على بعضهم التأفف لكن انصات كل الركاب الزم الجميع بالصمت ...وتابع الرجل بعد ان اخذته نوبة سعال ..
هاحكيلكم عن حاجة واحدة بس........عن فرقة رجال الموت .........رجالة القائد /فيصل عبد الفتاح ..
حد منكم سمع الاسم ده قبل كده ..؟؟
لم يتلق اجابة من احد فاكمل هو ..
طبعا ماحدش يعرفه ....كان هو ورجلته اصحاب العملية البطولية عند منطقة الممرات فى عمق سينا ...زى مابيسموها خلف خطوط العدو ...
دول اول ناس تم انزالهم ورا خطوط العدو بالهليكوبتر فجر يوم ستة اكتوبر يعنى قبل الحرب ماتبدأ ....وكانت مهمتهم التصدى ومواجهة قوة رهيبة للواء اسرائيلى مدرع بكامل دباباته ومدرعاته وجنوده ...عارفين بيسموا العمليات دى ايه فى اى جيش ....الانتحار بنفسه ...لان النتيجة الحتمية المتوقعة هى ابادة القوة اللى بتعترض قوة اللواء ده ...
لكن قدر رجالة الصاعقة مع اول يوم حرب ولما العدو بدأ يفوق من الضربة اللى خدها وبدأ يحرك قوات احتياطيه علشان يقوى قواته اللى انضربت فى بارليف انهم ينصبوا ليه الكماين ويصطادوا دباباته واحدة ورا التانية ...
كانوا بيظهروا من حفر الرمل زى رسل الموت ...يدمروا المدرعة ويختفوا تانى بسرعة ....
سكت لحظات وهو يهز راسه فى حزن وقال ...:
الله يرحمك يا حضرة القائد فيصل ...كان بيقول للرجالة ...الممر ده هانسده باجسامنا ...تمر علينا دباباتهم ومش هنسيبه ابدا ....
عارفين يابنى انت وهو الرجالة دى قدرت تستمر فى مواجهتها الاسطورية دى قد ايه ...؟؟؟؟....اكتر من خمس تيام ...من ستة اكتوبر لحد عشرة اكتوبر ...وحدهم فى الممر وخلصت مونهم واكلهم وشربهم وماكنش فيه طيارات قادرة تخش سينا تانى علشان تمدهم بالمساعدة ...
تعرفوا ازاى قدروا يساعدوهم ...؟؟؟
لم اكن اشعر فى الفترة السابقة بتوقف المترو ولا بركوب الركاب الجدد لكن ما استطيع الجزم به ان احدا ممن كان حول الرجل منذ بدأ حديثه لم يتحرك من مكانه بل زادت الاعداد متحلقة حوله اكثر فاكثر ...
نطق احد الركاب ....كمل ياعم الله يديك الصحة ساعدوهم ازاى الابطال دول ..؟؟
سعل الرجل واستعاد قوة صوته ليكمل ...من هنا بدأت بطولة تانية منقطعة النظير ....بطولة لراجل اكيد ماتعرفوش عنه حاجة ...اسمه العميد نبيل ابو النجا من رجالة الصاعقة ....
قالوله دى مهمة انتحارية ...قالهم الشهادة اكبر امنياتى ...
كانت مهمته انه يعبر من القناة ومعاه عشرين جمل محملين بالذخيرة والاكل والمساعدات الطبية علشان يمشى بيهم فى طرق ملتوية بعيد عن عيون العدو مسافة سبعين كيلو لحد مايوصل للرجالة اللى بيمنعوا احتياطى قوات العدو من الوصول للاماكن اللى فزنا ودخلناها بعد العبور ...
لو حكيت ليكم ايه اللى قابله فى رحلته لحد ماقدر يوصل مش هتصدقونى ...
الحرب استمرت ياولادى ...كل القوات كانت بتصنع معجزات كأنها الاساطير ....رجالة كتير ماحدش يعرف عنها حاجة ...حتى مايعرفوش اسماءهم ولا ايه اللى حصلهم ...اللى استشهدمنهم ... خلاص ...شاف المكافأة عند ربه ...لكن اللى اتصاب بشظية طيرت دراعه ولا بترت رجله ودول كتير قوى قوى قوى ...ماحدش يعرفهم ولا حاسس بيهم .............حتى لما اسرائيل قويت وبدأت تهاجم بكل القوة ودخلت من ثغرة الدفرسوار ...ووصلت كمان للسويس و صورا جولد مائير واقفة برجليها على حطام دبابة مصرية وقالوا للعالم احنا اهو جوة السويس ومحاصرين الجيش التالت كانت الحرب ماخلصتش ....تعرفوا ايه انتم عن الملحمة العظيمة للمقاومة الشعبية لاهالى السويس ..؟؟؟ تعرفوا ايه عن الاف الرجالة اللى ضحوا بنفسهم وهما بينصبوا الكماين لقوات العدو فى الشوارع ومن بيت لبيت بيطاردوهم والقنابل والصواريخ بتهد البيوت فوق دمغهم ...؟؟
هاقولهلكوا من الاخر وابقوا اتأكدو من كلامى ....
فى اى واحد سمع اسم الفريق اول طيار محمود شاكر عبد المنعم ....؟؟
ومن جديد لم يكن غير الصمت ...قال احد الاولاد ...وده مين بقى ان شاء الله ...؟؟
قال الرجل العجوز ...اهو هو ده يابنى اللى خطط ودرب وجهز وادار وقاد الضربة الجوية فى حرب اكتوبر ....!!!!!!!!!!
نعم يا عم انت ..؟؟؟ صاح بعض الاولاد مستنكرين ....وفى لحظة نهرهم اكثر من صوت مطالبين اياهم بالصمت التام وراجين الرجل ان يكمل حديثه
...قال الرجل ...هو ده ياولادى الرجل اللى مبارك صمم يحذف دوره تماما زى ماعمل مع غيره زى الفريق سعد الدين الشاذلى ...
كان الفريق اول محمود شاكر زميل مبارك فى الحربية ودفعة واحدة وكان هو اول الدفعة وكان اقدم من مبارك ولما السادات عين مبارك قائد للطيران حس بغضب القيادات فى الطيران فعين الفريق محمود قائد تانى للطيران ...والمركز ده ماتعملش ابدا لحد قبله ولا بعده ...وهو اللى اعد خطة الطيران فى الحرب وجهزها ودرب الطيارين عليها وقادها وادارها كتفه فى كتف مبارك ....لكن مبارك بعد كده محاه تماما ..... رفع صورته من قاعة االقوات الجوية بالمتحف الحربى .....و كمان من اللوحة الكبيرة دى اللى عملوها الاجانب عن الحرب ...
تقصد بانوراما اكتوبر ياحاج ؟؟؟؟ قال احد الركاب ..
ايوه يابنى هى دى ....
عارفين ايه كمان عمله الفريق محمود فى الحرب ..؟؟
كانت المعركة الحقيقية لسلاح الطيران هى اللى ادارها لوحده بكل نجاح يوم اربعتاشر اكتوبر فى المنصورة واللى تنتها تلاتة وخمسين دقيقة ....فى مواجهة حقيقية مع اقوى سلاح طيران وهو طيارات العدو ..قدرت طيارتنا توقع اكبر عدد من طيارت اسرائيل ....العملية دى بيدرسوها لدلوقتى فى كليات الطيران فى العالم ....
وعلشان كده خلوا اليوم ده هو عيد القوات الجوية ....لكن مبارك بعد كده لما كان بيتكلم عن الحرب كان يلغى اسم الراجل البطل ويقول عنه ....رقم اتنين وبس ....ولما سألوه مين هو رقم اتنين اللى كان معاه بيقود الضربة الجوية ...يقول ...فلان ....ويسألوه تانى ....ومين فلان ده ....يقول بغضب ....يكفيكم انى كنت على رأس القوات الجوية .....
نظر الرجل فى وجوه الجميع ...كان ركاب العربة قد تركوا اماكنهم ليتحلقوا حولنا متكدسين صامتين وكان المترو قد دخل الان محطة رمسيس..عندما سأل الرجل وهو يحاول ان ينظر من نافذة المترو ... وصلنا فين ياجماعة ؟؟
صاح اكثر من صوت ...محطة الشهداء ياعم ...
واذا باصواتهم تعلو اكثر مكررة ...محطة الشهداء ....الشهدااااااااااء .....
هاتفضل كده واللى هايحاول يمسح اسمها هتتقطع ايده ....
ازدحم الركاب مقتربين من الرجل وقد ازاحوا فى خطواتهم القوية الاولاد بعيدا واخذوا يمطرون الرجل بكلمات الشكر والدعاء .....
حاول الرجل النهوض مرتكزا على عصاه ...اقتربت لاساعده فلمحت من اسفل جلبابه الطرف الصناعى الذى يقف عليه بدلا من ساقه المبتورة .....امسكت بذراعه وقلبى يدق عنيفا ورعشة تتملك من صوتى وانحنيت على راسه اقبله وعلى يديه الثمهما ......
........عندها لمحت دمعة فرح فى عينيه وهو يربت على راسى شاكرا ....
. غادر المترو منذ قليل محطة المرج ولم تكن العربة التى وجدت لى مقعدا خاليا فيها مزدحمة فى هذا الوقت مساءا ....مع صوت عجلاته وانطلاقه قررت ان اغفو قليلا الى ان تحين محطة نزولى ولكن اولئك الاولاد الذين تعالت اصواتهم فى حدة وهم يهمون بكشط اسم محطة الشهداء من لوحة اسماء المحطات الملصقة اعلى ابواب عربة المترو قد اطارت منى كل احساس بالنعاس ...
اسمها كان مبارك وهايفضل مبارك ياناكرين الجميل ومعدومى الاصل ...
هكذا صرخوا بعنف وهم يحاولون تنفيذ ازالتهم لاسم الشهداء ...نظرت الى الركاب ...الكل يحملق فيهم صامتا ...والاولاد يتعالى صياحهم ...
خدنا ايه من ثورتكم لحد النهاردة ....؟؟؟ قال شهداء قال ...!!!!
توقف المترو فى المحطة التالية ...صعد عدد من الركاب بينهم رجل تجاوز الستين من عمره يمسك فى يده عصا يتوكأ عليها ....سارعت الى القيام لاجلسه مكانى وهو يدعو لى بكل الخير ....
كان الاولاد قد ازالوا حرفى الالف واللام من كلمة الشهداء عندما صاح بهم احد الركاب الصاعدين مؤخرا ناهرا اياهم وثائرا عليهم فقابلوا ثورته بصياح وتجمع لمواجهته صائحين ...
احنا من ابناء الريس ...ولازم يرجع اسمه على محطته ويتكرم فى عيده...عيد النصر اللى صنعه بنفسه ...عيد اكتوبر و صاحب نصر اكتوبر صاحب الضربة الجوية ....
كنت اقف امام الرجل الذى اجلسته مكانى والذى شاهدت ملامحه قد
ثارت وسكن الغضب قسماتها فصاح من مجلسه بصوت اجبر الجميع على
الصمت والانتباه اليه ...
تعرفوا ايه عن حرب اكتوبر واللى حصل فيها يابنى انت وهو ...؟؟؟؟؟؟
ابتعدت من امامه قليلا ليراه الاولاد مواجها لهم فرد عليه احدهم قائلا :
نعرف كل حاجة ياعم ....نعرف ان الريس مبارك رفع راس مصر والامة العربية كلها وهزم اسرائيل ....والا انت شايف حاجة تانية ..؟؟؟؟
حولق الرجل هاززا راسه وقال ..
تعالى يابنى اكلمك شوية عن حرب اكتوبر وبعدين اعمل اللى انت عاوزه
...شعرت بنبرة حزن عميقة فى صوت الرجل لكننى احسست انه ملك علىّ نفسى وقد صارت جوارحى كلها منصتة اليه ...ويبدو ان هذا الاحساس لم يكن لى وحدى ..بدأ الرجل حديثه بصوته الواهن قائلا :
اللى تعرفوه عن حرب اكتوبر سطر واحد من كتاب ...بيت واحد من قصيدة طويلة ....ضربة الطيران الاولى كانت اهدافها تدمير مطارات هامة للعدو فى سينا وتدمير بطاريات الدفاع الجوى وتدمير اكبر عدد من مراكز القيادة ....قامت طيارتنا بكل ده فى غفلة من العدو ومفاجأة ليهم مكنت طيارتنا من تحقيق معظم المهام اللى انطلبت منهم ...
استمرت الضربة الجوية عارفين قد ايه ..؟؟؟ نص ساعة بالظبط !! من غير اى مقاومة ....لكن بعض الطايرات بتاعتنا قابلتها مقاومة فوق مطار رأس مصرانى من اربعة طيارات فانتوم اسرائيلية عارفين حصل ايه .؟؟
كانت الركاب صامتة تنظر وتنصت للرجل الذى اجاب ...:
سقطت مننا ست طيارات ....وكمان فى مكان تانى وجهت طيارتنا قوة من الدفاعات الجوية للعدو وقعت مننا طيارتين من نوع سوخوى واحدة منهم كانت بتاعة اخو الريس السادات ...الشهيد عاطف السادات ...
تعرفوا يابنى ان اللى كان متقرر للطيران انه يقوم بضربة تانية فى نفس يوم ستة اكتوبر بالليل ...بس اتلغت العملية ...طبعا علشان اسرائيل كانت فاقت من المفاجأة وبدأت تعد نفسها من جديد بسرعة ...
خلصت النص ساعة الاولى من اول يوم حرب ....بس هل الحرب خلصت والا ابتدت ..؟؟؟
هنا توقف المترو فى محطته التالية ....لم ينزل احد وصعد القليل من الركاب الذين فوجئوا بالتفافنا جميعا حول الرجل فكأنما اصابهم مس خفى جعلهم ينصتون لما يحدث ...
اكمل الرجل وهو يشرد ببصره كأنما يستعيد الماضى امامه ...
اكلمكم عن ايه والا ايه يابنى ....اكلمكم عن بطولات رجالة الصاعقة اللى كانت اسرائيل بتسميهم رسل الموت ...دول لو حدهم حكاية طويلة قوى ...
كانت مشاكل وعقبات العبور للقناة كتيرة جدا قدام ابطالنا ...واولها النابالم ....
انابيب النابالم كانت ملية القناة لو اشتعلت فى دقايق تغلى مية القناة بالنار ...رجال البحرية الابطال قدروا يسدوا كل الانابيب دى ...وقدروا يحاصرو ا اسرائيل لحرمنها من البترول ...تعرفوا ازاى عملوا كل ده ..؟؟
طبعا ماتعرفوش للاسف ....الابطال دول دمروا ابار البترول فى ابورديس وبلاعيم اللى كانت اسرائيل استولت عليهم بعد النكسة ...ومش بس كده دول وقفوا بقوتهم فى باب المندب علشان يمنعوا اى سفن تيجى لاسرائل بالبترول ....طبعا مافييش اى معركة حربية من غير بترول ...ادى دور لابطال مجهولين يمكن ماسمعتوش عنهم حاجة .
تانى مشكلة الساتر الترابى اللى كان اكبر من عشرين متر ارتفاعه ...احتاروا الخبراء السوفيت ازاى ندمره لحد ما جربوا يضربوه بالصواريخ وبرضو ما نفعش ...
ماحنا كنا بندرب على واحد زيه عملهولنا السادات فى الصحرا ...لحد ما قدر مهندس مصرى يبتكر موضوع مدافع المية واللى قدرنا نشق بيها ممرات ضخمة تعدى منها القوات والمدرعات من وسط الساتر ....ومش بس كده ...بعد الساتر فى خط بارليف الرهيب ...اقوى خط دفاعى عملته الجيوش فى تاريخ العسكرية ...
اكلمكم عن ايه يابنى ...اكلمكم عن المدفعية اللى فضلت تضرب عمق العدو واحنا بنعبر علشان تحمينا بعد الطيارات مارجعت قواعدها ...والا اكلمكم عن المهندسين العسكرين اللى فضلوا يزيلوا حقول الالغام الكتيرة جدا من طريق قوتنا ...والا اكلمكم عن سلاح الاشارة اللى دوخ اسرائيل وخلاها ماتعرفش تلتقط رسائلنا وتعليمات القيادة لينا ...
لو ماتعرفوش اعرفوا ان الاشارة هى عصب المعارك ....وغير كده الشئون الادارية ...ودى ببساطة لو وقعت انتهت المعركة ....الشئون الادارية يا اولادى يعنى لو خلصت ذخيرتك ووقودك واكلك وشربك ومافيش امدادات تبقى انتهيت خلاص ...
البطولة هنا انك تقدر وسط الحرب والمعارك والتفجيرات توصل لرجلتك وتمدهم بالناقص عندهم ....
كان الاولاد ينصتون الى الرجل وان بدا على بعضهم التأفف لكن انصات كل الركاب الزم الجميع بالصمت ...وتابع الرجل بعد ان اخذته نوبة سعال ..
هاحكيلكم عن حاجة واحدة بس........عن فرقة رجال الموت .........رجالة القائد /فيصل عبد الفتاح ..
حد منكم سمع الاسم ده قبل كده ..؟؟
لم يتلق اجابة من احد فاكمل هو ..
طبعا ماحدش يعرفه ....كان هو ورجلته اصحاب العملية البطولية عند منطقة الممرات فى عمق سينا ...زى مابيسموها خلف خطوط العدو ...
دول اول ناس تم انزالهم ورا خطوط العدو بالهليكوبتر فجر يوم ستة اكتوبر يعنى قبل الحرب ماتبدأ ....وكانت مهمتهم التصدى ومواجهة قوة رهيبة للواء اسرائيلى مدرع بكامل دباباته ومدرعاته وجنوده ...عارفين بيسموا العمليات دى ايه فى اى جيش ....الانتحار بنفسه ...لان النتيجة الحتمية المتوقعة هى ابادة القوة اللى بتعترض قوة اللواء ده ...
لكن قدر رجالة الصاعقة مع اول يوم حرب ولما العدو بدأ يفوق من الضربة اللى خدها وبدأ يحرك قوات احتياطيه علشان يقوى قواته اللى انضربت فى بارليف انهم ينصبوا ليه الكماين ويصطادوا دباباته واحدة ورا التانية ...
كانوا بيظهروا من حفر الرمل زى رسل الموت ...يدمروا المدرعة ويختفوا تانى بسرعة ....
سكت لحظات وهو يهز راسه فى حزن وقال ...:
الله يرحمك يا حضرة القائد فيصل ...كان بيقول للرجالة ...الممر ده هانسده باجسامنا ...تمر علينا دباباتهم ومش هنسيبه ابدا ....
عارفين يابنى انت وهو الرجالة دى قدرت تستمر فى مواجهتها الاسطورية دى قد ايه ...؟؟؟؟....اكتر من خمس تيام ...من ستة اكتوبر لحد عشرة اكتوبر ...وحدهم فى الممر وخلصت مونهم واكلهم وشربهم وماكنش فيه طيارات قادرة تخش سينا تانى علشان تمدهم بالمساعدة ...
تعرفوا ازاى قدروا يساعدوهم ...؟؟؟
لم اكن اشعر فى الفترة السابقة بتوقف المترو ولا بركوب الركاب الجدد لكن ما استطيع الجزم به ان احدا ممن كان حول الرجل منذ بدأ حديثه لم يتحرك من مكانه بل زادت الاعداد متحلقة حوله اكثر فاكثر ...
نطق احد الركاب ....كمل ياعم الله يديك الصحة ساعدوهم ازاى الابطال دول ..؟؟
سعل الرجل واستعاد قوة صوته ليكمل ...من هنا بدأت بطولة تانية منقطعة النظير ....بطولة لراجل اكيد ماتعرفوش عنه حاجة ...اسمه العميد نبيل ابو النجا من رجالة الصاعقة ....
قالوله دى مهمة انتحارية ...قالهم الشهادة اكبر امنياتى ...
كانت مهمته انه يعبر من القناة ومعاه عشرين جمل محملين بالذخيرة والاكل والمساعدات الطبية علشان يمشى بيهم فى طرق ملتوية بعيد عن عيون العدو مسافة سبعين كيلو لحد مايوصل للرجالة اللى بيمنعوا احتياطى قوات العدو من الوصول للاماكن اللى فزنا ودخلناها بعد العبور ...
لو حكيت ليكم ايه اللى قابله فى رحلته لحد ماقدر يوصل مش هتصدقونى ...
الحرب استمرت ياولادى ...كل القوات كانت بتصنع معجزات كأنها الاساطير ....رجالة كتير ماحدش يعرف عنها حاجة ...حتى مايعرفوش اسماءهم ولا ايه اللى حصلهم ...اللى استشهدمنهم ... خلاص ...شاف المكافأة عند ربه ...لكن اللى اتصاب بشظية طيرت دراعه ولا بترت رجله ودول كتير قوى قوى قوى ...ماحدش يعرفهم ولا حاسس بيهم .............حتى لما اسرائيل قويت وبدأت تهاجم بكل القوة ودخلت من ثغرة الدفرسوار ...ووصلت كمان للسويس و صورا جولد مائير واقفة برجليها على حطام دبابة مصرية وقالوا للعالم احنا اهو جوة السويس ومحاصرين الجيش التالت كانت الحرب ماخلصتش ....تعرفوا ايه انتم عن الملحمة العظيمة للمقاومة الشعبية لاهالى السويس ..؟؟؟ تعرفوا ايه عن الاف الرجالة اللى ضحوا بنفسهم وهما بينصبوا الكماين لقوات العدو فى الشوارع ومن بيت لبيت بيطاردوهم والقنابل والصواريخ بتهد البيوت فوق دمغهم ...؟؟
هاقولهلكوا من الاخر وابقوا اتأكدو من كلامى ....
فى اى واحد سمع اسم الفريق اول طيار محمود شاكر عبد المنعم ....؟؟
ومن جديد لم يكن غير الصمت ...قال احد الاولاد ...وده مين بقى ان شاء الله ...؟؟
قال الرجل العجوز ...اهو هو ده يابنى اللى خطط ودرب وجهز وادار وقاد الضربة الجوية فى حرب اكتوبر ....!!!!!!!!!!
نعم يا عم انت ..؟؟؟ صاح بعض الاولاد مستنكرين ....وفى لحظة نهرهم اكثر من صوت مطالبين اياهم بالصمت التام وراجين الرجل ان يكمل حديثه
...قال الرجل ...هو ده ياولادى الرجل اللى مبارك صمم يحذف دوره تماما زى ماعمل مع غيره زى الفريق سعد الدين الشاذلى ...
كان الفريق اول محمود شاكر زميل مبارك فى الحربية ودفعة واحدة وكان هو اول الدفعة وكان اقدم من مبارك ولما السادات عين مبارك قائد للطيران حس بغضب القيادات فى الطيران فعين الفريق محمود قائد تانى للطيران ...والمركز ده ماتعملش ابدا لحد قبله ولا بعده ...وهو اللى اعد خطة الطيران فى الحرب وجهزها ودرب الطيارين عليها وقادها وادارها كتفه فى كتف مبارك ....لكن مبارك بعد كده محاه تماما ..... رفع صورته من قاعة االقوات الجوية بالمتحف الحربى .....و كمان من اللوحة الكبيرة دى اللى عملوها الاجانب عن الحرب ...
تقصد بانوراما اكتوبر ياحاج ؟؟؟؟ قال احد الركاب ..
ايوه يابنى هى دى ....
عارفين ايه كمان عمله الفريق محمود فى الحرب ..؟؟
كانت المعركة الحقيقية لسلاح الطيران هى اللى ادارها لوحده بكل نجاح يوم اربعتاشر اكتوبر فى المنصورة واللى تنتها تلاتة وخمسين دقيقة ....فى مواجهة حقيقية مع اقوى سلاح طيران وهو طيارات العدو ..قدرت طيارتنا توقع اكبر عدد من طيارت اسرائيل ....العملية دى بيدرسوها لدلوقتى فى كليات الطيران فى العالم ....
وعلشان كده خلوا اليوم ده هو عيد القوات الجوية ....لكن مبارك بعد كده لما كان بيتكلم عن الحرب كان يلغى اسم الراجل البطل ويقول عنه ....رقم اتنين وبس ....ولما سألوه مين هو رقم اتنين اللى كان معاه بيقود الضربة الجوية ...يقول ...فلان ....ويسألوه تانى ....ومين فلان ده ....يقول بغضب ....يكفيكم انى كنت على رأس القوات الجوية .....
نظر الرجل فى وجوه الجميع ...كان ركاب العربة قد تركوا اماكنهم ليتحلقوا حولنا متكدسين صامتين وكان المترو قد دخل الان محطة رمسيس..عندما سأل الرجل وهو يحاول ان ينظر من نافذة المترو ... وصلنا فين ياجماعة ؟؟
صاح اكثر من صوت ...محطة الشهداء ياعم ...
واذا باصواتهم تعلو اكثر مكررة ...محطة الشهداء ....الشهدااااااااااء .....
هاتفضل كده واللى هايحاول يمسح اسمها هتتقطع ايده ....
ازدحم الركاب مقتربين من الرجل وقد ازاحوا فى خطواتهم القوية الاولاد بعيدا واخذوا يمطرون الرجل بكلمات الشكر والدعاء .....
حاول الرجل النهوض مرتكزا على عصاه ...اقتربت لاساعده فلمحت من اسفل جلبابه الطرف الصناعى الذى يقف عليه بدلا من ساقه المبتورة .....امسكت بذراعه وقلبى يدق عنيفا ورعشة تتملك من صوتى وانحنيت على راسه اقبله وعلى يديه الثمهما ......
........عندها لمحت دمعة فرح فى عينيه وهو يربت على راسى شاكرا ....
........... .......................تمـ ـــــــــــــت .......................... .........
هى رسالة شكر وتقدير لكل ابطالنا من القوات المسلحة فى يوم عيدهم
.......................... ..........................
هى رسالة شكر وتقدير لكل ابطالنا من القوات المسلحة فى يوم عيدهم
..........................
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق