دقائق فى الجحيم !!!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قصة بقلمى : علاء الدين هدهد
مضى زمن لا يعلم قدره أحد وهو واقف ضمن الحشود المتلاصقة ترتعد فرائصهم رعباً وهلعاً يتمنون جميعاً إنتهاء ذلك الإنتظار الذى يظنون أنه منذ دهور طويلة قد بدأ .
لحظة وانفجرت اصوات ترفرف فوق الرؤوس ..... بنظرات ملتاعة مشوشة حاول أن يدرك ماهية تلك الطيور التى ترفرف بعنف مصدرة تلك الأصوات
اقتربت أكثر وأكثر وأكثر ...... ويلى !!!! إنها ليست بطيور ....إنها كتب تفر صفحاتها السوداء متلاطمة ..
تنطلق الكتب بصورة مرعبة كأنها ستطيح برؤوس الواقفين .... حاول أن يرفع يده اليمنى ليمسك بذلك الكتاب الأسود الذى سيصطدم به فلم يقدر .... يده كما المشلولة لا حراك أو روح فيها ...الكتاب يقترب كالسهم أمام عينيه الجاحظتين فما شعر إلا ويده اليسرى تمتد بسرعة ليلتقط الكتاب ..
قبضت اصابعة على الكتاب وعندئذ وقر الصوت المهيب يرج عليه أركان ذاته رجاً ...( اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ) ..
تتوالى الصفحات سوداء أمام عينيه ورغم السواد يستبين كل ماسطر فيها
ما كان يدرك ان له تلك المقدرة على التصفح بتلك السرعة رغم ثقل الكتاب ورغم صفحاته الكثيرة عددا والمليئة نصاً ... تمر عيناه على كل صفحة فيتذكر ويدرك ويشعر ويشم ويعايش كل فعل وكل أمر سجل فى الكتاب كأنه يحدث الأن .. كلما قرأ فعلاً من أفعاله شعر بروحه تنسحق سحقاً وبكيانه يتزلزل زلزلة عظيمة ..شعر ان الجمع المحيط به يرى صفحات كتابه بل ويقرأ معه كل ذلك الكم من الفضائح والأفعال المشينة .... دقات قلبه صارت تنطق ويلاً ويلاً ... جسده يرتعد هلعاً ... تنفسه يمزقه شهقاً وزفراً .... ترى هل هناك عذاب بعد هذا !!!!! .. مر ببعض السطور بدت منيرة وسط السواد الحالك .... ضوءها باهت ضعيف لا يقوى على مغالبة ظلام الصفحات ... انتهى الكتاب واذا بلسانه ينطق واذا بسمعه يسمع صدى نفس الجملة يتردد من حوله كما الأنين الطاغى فى ندمه وحسرته الغارق فى وجعه وألمه ..
يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ..... وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ... يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ...
أى ندم مر كما الحنظل تعصف مرراته به كأنما تعتصر بفمه وشرايينه !!!
أى قلق مرير يجتاحه فى إنتظار الأتى بعد أن عرف وأيقن مصيره المظلم !!!
واذا بالصوت العظيم الغاضب المهول فى جهوريته ينطلق فكأنما ملايين الأبواق قد انطلق منها .... خذوووووه ...
تلفت مفزوعاً كما الكثيرين من حوله
ارتعد كما العديد من امثاله
شاهد ألاف الأيدى المرعبة الثقيلة ووجوه قاسية الملامح مخيفة القسمات تجتاح المكان كل منها يلبى تنفيذ الأمر الإلهى ... كل منها يقبض على جزء من جسده كما الكلاليب ... كما الخطاطيف ... كما الأنياب ... كما المخالب ... كل منها يمسك بعضو منه فيجذبه .... صرخاته المرعوبة لم تنطلق من فمه بل ماتت على شفاهه التى اخذت ترتعد من هول الألام التى تجتاحه من مجرد الإمساك به ..
ومن جديد انطلق الصوت المدوى العظيم .... ( فغلوه ) ..... تحولت القبضات إلى أغلال حارقة ساحقة تقبض على معصميه فتضمهما إلى عنقه فى قوة رهيبة ... واغلال أخرى تخنق قدميه فتشلهما عن الحركة ..
خر ساقطاً الى الأرض تنزف عيناه دماً لزجا كما الصديد .... كانت كل اعضائه تدوى صرخاتها مرددة كهزيم الرعد أما من نهاية لهذا العذاب .....
ومن جديد دوى الصوت الغاضب مزلزلاً أركانه ووجدانه .
( ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ )....
تخطفته الأيدى القاسية والقبضات الغاضبة لتسحبه سحباً وتجره جراً وهو يتمزق شر ممزق ينظر الى وجوه من حوله .... هناك العديد والعديد مثله يجرون كما يجر وهناك من يقفون ليشاهدوه فى تلك المذلة المريعة ...
لا يدرى كما استمر سحله على أرض ليس بها إلا أشواك حارقة وصخور نارية تتسارع كل منها فى تمزيقه إرباً حتى ترائى له مايشبه البوابة الرهيبة لأسوار شاهقة سوداء تهب منها رياح ساخنة تجتاح كل ما تمر به فتشويه وتصهره ... كانت عيناه تبصر جسمه المتقرح النازف الممزق وجلده يحترق فتصعقه الألام صعقاً .... تجاوز البوابة كمن قذف به قذفاً ليتدحرج بعيدا بعيدا بعيداً وسط نيران يأكل بعضها بعضاً . اختفت الأغلال من معصميه وقدميه ..كانت الصراخات تدوى فى الأجواء من حوله وإذا بصوته الحبيس ينطلق هو الآخر بكل عذابات الدنيا والأخرة .... بكل ألام الأوجاع والمواجع .... بكل ندم الحسرات واليأس ...اترى الأمر ينتهى !!!
دارت عيناه فيما حوله .... النيران تضطرم وتشتعل وتتوهج فى كل مكان ..
وسط النيران أشجار سوداء أوراقها تقطر حمماً ... وسط النيران مبان وطرقات وردهات وسلالم هابطة ..... وسط النيران أجساد مثله يتجرع أصحابها صنوف العذابات المختلفة .... وسط النيران مخلوقات رهيبة المنظر والملامح والقسمات ..
وإذا بالصوت العظيم الغاضب يدوى بغضب أكبر ...
( ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ )
وقعت الكلمات عليه كما طعنات السيوف والحراب تكتسح جسده ..
كان كل حرف من كل كلمة يهوى عليه ككرابيج النيران تمزق جسمه فيذوب منصهراً ..
وما شعر إلا وطرف سلسلة عظيمة لا يرى نهايتها ينطلق كما السهم ... كما رأس الحربة تجاه وجهه اتسعت عيناه رعباً وفُتح فمه هلعاً وكاد أن يصيح صارخاً فإذا بطرف السلسلة الحاد كما الرمح يخترف فمه حارقاً خارقاً متوغلاً ببشاعة ممزقاً كل اعضائه ملتفاً كما الحية مسرعاً كما الريح ليجوب كل باطنه فيخرج منطلقاً من دبره فيمزق روحه تمزيقاً ....
الطرف المنطلق من دبره يعود فيلتف لينطلق مجددا فيخترق موضعاً من جسده فيجتاحه من جديد ..... تقطعت انفاسه .... ذبح صوته الصارخ ... تحول دمه النازف إلى قيوح وصديد .... لماذا لا يموت ...؟؟
الموت ...!!! ...ياله من نعمة عظمى ...... الموت ..!!! ياله من حلم عزيز المنال
اجساد كثيرة تحترق من حوله
اجساد تنصهر جلودها وما تلبث إلا وتعود مجدداً
اجساد تنادى بألم من شدة العطش
أجساد تتلوى وجعاً من شدة الجوع
أجساد تمد لها اكواب من قيح وصديد لتشرب
أجساد تنهش افواهها الأشواك فتمزقها نزفاً وحرقاً ..
وأجساد جديدة كل لحظة تقذف أفواجاً وراء أفواج لتتكدس من حوله ومن فوقه ومن أسفل منه ..
الأصوات تتعالى والصراخات تتعالى والنداءات تتعالى
دوامة رهيبة من الزحام المشتعل تطحن الجميع ..
وأصوات تدوى وسط اللهيب ..... إنها مجرد البداية ... مجرد البداية فقط ...!!!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تمت ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ