الثلاثاء، 16 سبتمبر 2014

الغروب !!

الثلاثاء 16 سبتمبر 2014

.
الغروب !!
 
..

كل دقة في قلبي ......بتسلم عليك
يا واحشني... من زمان ...فين نور عنيك
يا واحشني ...ياواحشنى

الصوت ينساب رقراقا من هاتفه المحمول فيسرى مع الهواء الى صدره ووجدانه...كان جالساً تحت المظلة الكبيرة على طرف الشاطىء البعيد نائيا عن تجمعات المصطفين ...
امسك بالصورة القديمة بين يديه يتلمس خيوط الحنين وقد حفرها الزمن لاكثر من اربعة وعشرين عاما مضت ..
مازال يذكر كل لحظة مرت بينهما ...كل كلمة وكل طرفة عين
مازال يذكر اخر لقاء وهى تهمس له ..

ــ كل منا هايمشى فى طريق ...كل منا هايبدأ حياة تانية ...يمكن نقدر ويمكن لأ ...بس خلينا نتعاهد ....بلاش ندور على بعض ...بلاش نبص لورا علشان نقدر نشوف قدام ..

هز رأسه صامتا وارخى بصره وكأنه يؤمن على كلماتها...
مدت يدها بأخر سلام تودعه ..وقبل ان تسحب أناملها الراقيقة من حضن كفه فرت من عينها دمعة وهى تقول بصوت شرخه ألم حاولت ان تكابده ..
ــ وحياة كل حاجة حلوة بنا ...مهما حصل ومها كان نصيبى.... مش هنساك ....ياريت ....ياريت ماتنسانيش ..

يعلم ان فراقهما كان حتميا لا يستطيع اى منهما منعه او الوقوف دونه..
وابتعدت وابتعد وكان دوما يقسم لطيفها كلما وردت لحظة الوداع على ذاكرته ...عمرى .....عمرى ماهنساكى ..

انقطعت اخبارها سريعا ولما شعر بالاشتياق اليها قد بلغ مداه به وطعنات الحنين تنغرس فى اعماق قلبه خالف وعده اياها وحاول الاتصال بها ...يبدو انها غيرت رقم هاتفها ....ذهب الى بيتها مرارا يتلمس رؤيتها اذا خرجت منه فلم ينجح حتى علم انها قد انتقلت الى محافظة اخرى ..

مرت سنوات طويلة ..ظل على وحدته تناله سهام النقد واللوم والعتاب ممن يحيطون به ....اقتربت منه صديقات له...حاولن كثيرا ان تحتل احداهن مكانا من قلبه ...صد الكثيرات تارة واخرى استجاب لنصح من قال له ...مافيش غير الست تنسى الراجل الست ..
منح نفسه فرصة او بالاحرى منح احداهن فرصة للاقتراب ...
لكن ..
كانت صورتها الملائكية بملامحها الرقيقة وكينونتها الساحرة كما الفراشة النورانية دوما تقف حائلا بين قلبه وبين اى دنيا للهوى والغرام جديدة ...وكان يتذكر كلماتها الاخيرة فيجد قلبه وقد انغلق على مامضى رغما عنه..

كل نسمة تمر من عندك عليا
قلبي يحضنها بشوقه وبحنانه
كل كلمة اسمعها عنك تحلى ليا
ياللي جنبك قلبي بيلاقي امانه

ياله من تاريخ للعشق سجله فى كل ما خطته يده من اشعار او حكايات ...!!!
صارت صورتها محرابا روحيا وواحة خفية يحج اليها كلما اضناه الاشتياق ..
صارت هى منبع الوحى والإلهام ...

ها هى الشمس تبتعد عن كبد السماء ملوحة للبحر بشفقها الوردى .. وهو يراقب الامواج وبعض طيور النورس على البعد .. مازال ينصت للأغنية ترسم ملامحها امامه ..يترنم مع اللحن فى عالم لا يمت للبشر بصلة ..

يا واحشني من زمان ....امتى تجيني
تسعد المهجة وبالود تراعيني
دانتا لو حنيت وجيتني هتلاقيني
عمري مانسيت اللي كان بينك وبيني
طب دنا... من كتر ما فكرت فيك
كل دقة في قلبي ......بتسلم عليك

الصورة بين يديه غارق معها فى تأملاته عندما ندت منه تنهيدة طويلة وهمسة بسؤال ...
ياترى لساكى على وعدك ليا ....؟؟؟
..
ــ حاجات كتير بتتغير فينا ...بس القلب المخلص عمره ماينسى ..

انتبه للصوت من خلفه ...تحرك برأسه تحت المظلة ليجد امرأة تقف خلف مقعده الخشبى ...لم يفطن اليها ولا متى حضرت ...نظر اليها متسائلا..
كانت قبعتها الكبيرة تخفى ملامح وجهها ..
بحركة بطيئة من يدها رفعت طرف القبعة لينظر عينيها وفيهما لمعة لدموع حبيسة ...ضاق مابين حاجبيه مدققا اليها النظر ...اعتدل ناهضا مواجها اياها ..
اهذا معقول ...!!!!
اهذا حقيقى ..!!!
انها هى ...هى لا ريب ...يااااااا الله ..!!!!
كم تغير شكلها !!! كم تغيرت ملامحها !!!
كم تغير جسمها ..!!! كم تغير كل كل مافيها ..!!!!
فقط بقيت نفس العينين ...نفس النظرات ..نفس الصفاء الحالم لكنه اكتسى حزنا دفينا ..

كل دقه في قلبي بتقولك يا غالي
رجع الود الجميل ما بينا تاني
..
اخذ يطوف ببصره فيها عاجزا عن الكلام ...اكتفى ببعض هزات من رأسه متسائلة فما كان منها الا ان ارخت ببصرها الى الارض مع هزة من رأسها مؤكدة ..
ياللزمن القاسى ..!!!

دوامة من الاسئلة طافت به وهمَّ بأول سؤال منها عندما انطلق الصوت الصغير مناديا ...يالا ياماما ...بابا بينادى عليكى مش شايفك ...
جفل من الصوت ونظر الى الصغير ذى العشرة اعوام وقد اقترب مسرعا منها ثم امسك بيدها ...
رفعت يدها الاخرى بالنظارة السوداء ترتديها لتخفى دمعتين فرتا بالرغم منها ...حاضر ياحبيبى ..انا جاية اهو ..
علامات الدهشة تحتل قسمات وجهه ...قالت بصوت حاولت ان تجعله مبتسما ...
ـــ ده اصغر اولادى الاربعة ...دوامة الزمن ..منتا عارف بقى ...
حاول الرد ....ارتبك صوته ...حاول ان يمد يده الى يدها لكنه شاهد نظرات الصغير المتسائلة له..انتزعه صوت غليظ فظ اتيا من تلك التجمعات على الشاطىء مناديا من بعيد ...
ــ انت يااااااااااااض يازفت الطين ...رُحت فين انت وامك ..

ابتعدت مع الصغير وهو ينظر اليهما مشدوها عندما التفتت اثناء سيرها وقد خلعت النظارة لتلقى عليه باخر نظراتها..
كانت اصابعه تقبض على الصورة فى بطء متصاعد حتى انغلقت على كفه تماما عندما اكتسى البحر كله بلون الغروب ..
..
دا انت يوم ماتجيني تلقى مابين ايديك
كل دقة في قلبي ......بتسلم عليك

.......................تمــــــــــــــــــــــــــــت ..................

الأربعاء، 10 سبتمبر 2014

الشهقااااااات ..

.
الشهقااااااات ..
ــــــــــــــ
الاربعاء 10 سبتمبر 2014
.

صفير ريح المساء يلف الاجواء فيداعب ألسنة اللهب المتراقصة فى ركن الحقل تحت الجميزة العتيقة وانا امد كفيَّ لينالهما الدفء
..اخرجت من جيبى الكتاب برفق وعلى ضوء النار نظرت اول صفحاته الصفراء ..
اسرع يارجل ....انه فى النزع الاخير ..!!
انتزعنى النداء الجهورى وتردد صداه بشكل مفزع من حولى ...تلفت مأخوذا احدق فى المزروعات والاشجاء والطريق الممتد بجوار الحقل ...كل ما اراه على ضوء القمر باهت يتمايل كما الاشباح ...
قمت اخطو بضع خطوات رافعا صوتى متسائلا ....من هناك .؟؟
لم ار من اين جاء ولم اشعر به الا وهو يتآبط ذراعى جاذبا اياي منطلقاً الى الطريق وهو يردد بصوت عميق يخترق وجدانى ..
ـــ هيا انه يكابد حشرجات الموت ..
حاولت ان ابصر وجه الرجل فلم ارى منه الا عمامته البيضاء الغريبة فى شكلها وتكوينها ...
احساس غامض استولى علي وكأنى اعرف الرجل ...ذراعه التى تكاد تعتصر ذراعى فى قوة سرى منها الى داخلى تيار خفى..
كان يسير بسرعة غريبة حتى شعرت ان قدمى لا تمسان الارض وما عدت ارى معالم الطريق التى اعرفها ونحن ننطلق نتجاوز حدود المسافات ..
سمعته يترنم منتشيا ..

سكوتٌ ثم صمتٌ ثم خَرْسُ ............ و عِلْمٌ ثم وَجْدٌ ثم رَمْـــسْ

و طينٌ ثم نارٌ ثم نـــورٌ ................ و بردٌ ثم ظلّ ثم شمـــسْ
..
تردد السؤال مرتعشا بين شفتيَّ ...من أنت ..؟
صاح الرجل بأعلى صوته كمن ينادى احدا ..
ـــ لقد ناداك فلبى نداااااااااءه ..

افزعنى صوته وكأنه تجاوز به منتهى السمع منى ...
ريج عاصف دافىء شعرت به ينطلق كما السهم من بعيد لينقض على ذراعى الاخر ...إلتفت مرعوبا لارى رجلا ملثما وقد احاط بى فاعتصر بذراعه ذراعى الاخرى مرددا وهو يكلم الرجل الاول
ــــــ لبيك لبيك لبيك ..أنا هو.. انا أنت.. أنا حيث شاء ..
زادت سرعتهما وهما يحملانى حملاً ....اصابنى الدوار وانا احاول رؤية وجهتنا التى بدت تخترق المجال امامى بشكل جعل خفقات قلبى تدق فى اذنى كما طرقات الطبول ..
تمتم الرجل الثانى وهو يحلق بناظريه فى الفضاء مترنما ..
..
فيا سائلي ماذا رأى قلبك الذي .... يصحح فيه الورث في ليلةِ السُّرى
..
فيا طاعتي لو كُنْتِ كُنْتُ مقرباً ... و يا معصيتي لولاكِ ما كُنْتُ مُجْتَبَى
..
ماعدت ارى امامى الا اطياف الظلام تُطوى طيا ونحن ننطلق كما الشعاع ..
هاهناك على مرمى البصر هدفنا ..
بين شجرتين كبيرتين رمى القمر بكل ثناه على كوخ صغير
الرؤية تتكشف اخيرا ...تتضح اكثر فأكثر ...تقترب ...ننطلق لنجتاز الباب الخشبى عندما دوت الصرخة من الداخل كما هزيم الرعد ..
..
آآآآآآآآآآآآه يا وحشة تمزق الروح على سفود الاشتياق ..
..
شعرت بسقوطى على الارض امام الفراش انظر الجسد المسجى عليه وحيدا لشيخ يشير بسبابته الى أعلى ..
اقترب منه الرجلان تحوطهما هالات كما اللهب من حيث لا ادرى ..
ــ السلام عليك ابا يزيد ...
ـــ السلام عليك ورحمة الله ..
تحركت رأس الشيخ قليلا ...ندت من شفتيه همسة لم اسمعها ..
تحركت اصابع كفه فرفع ساعده الايمن قائما واغمض عينيه لحظات ..
كنت ارى الرجلين كل منهما على جانب من الفراش تتعلق عيونهما بعينى الشيخ وبشفتيه ..
اخذتنى رجفة وانا انظر حولى و دوامة من التساؤلات تغرقنى ..
كنت واقعا ارضا على ركبتى ...تقدمت قليلا الى حافة الفراش فى اللحظة التى انطلقت شهقة الشيخ وهو يقبض على يد الرجل الواقف يمين الفراش ...
ــ لهف قلبى عليك وهم يقطعوننى اربا فيك فتسيل دماؤك مبتسما..
دمعت عينا الرجل وهو يهمس قائلا :
ــ رحم الله من فهم الاختصار ضرا وضراراً ..
(مافى الجبة غير الله !!)
فما فى الجبة ياقوم الا جسدى ومافى جسدى قيم الا قلبى ومافى قلبى إلا الله ..
شهق الشيخ شهقة شعرت معها بارتجاج المكان فتسمرت عيناى به وبشفتيه ...أمسك بعنف بيد الرجل الاخر وقلبه يخفق مضطربا ..
ــ سأطوف بك فيك ..
سأطوف حوله معك ..
وسأفتح بك فتحاً فسميه بالفتوحات ..
ربت الرجل باصابعه على كف الشيخ وهو يهمس له..
نحن قوم يحرم النظر في كتبنا..لكل كلمة معنيان ولكل معنى قاصدوه ..

شهق الشيخ شهقةً اخرى وهو يصيح ...ياااااااااااا الله !!
ها أنا على شط البحر المحرم ...
إن كنت تحب أنانتك لي ، فإني قد وهبت أنانتي لك ، فافعل ما تريد ..
..
..نظرت الى الشيخ مذهولا لا اعى مما يدور من حولى شيئا وهاتف بداخلى يحثنى ان اغادر الى الخلف وهاتف اخر يسألنى أن كيف ..

أخذت احدق فى عينى الشيخ واذا بالشهقة تخرج منه عالية فتتشنج رأسه الى الوراء وتتصلب ذراعاه وتتوتر اصابعه وينتفض جسده كله على الفراش ...الرجلان تخفت صورتهما كما النور من خلف الزجاج ...رأس الشيخ تتشنج اكثر فتتسع حدقتاه ويفتح فمه ملتفتا اليَّ فتخترقنى نطراته كما طعنات السيوف ..
ارتعد جسدى بالرغم منى ...شعور برعب ممزوجا بعدم القدرة على التحرك ...العينان النافذتان تجذبانى الى حافة الفراش ...ماعدت ارى اثرا للرجلين ...امتدت يدى المرتعشة بالرغم منى لتقترب من كف الشيخ المتصلبة ...انقضت اصابعه على اصابعى فى قوة ثم امسك بمعصمى ... انطلقت صرختى وانا احاول جذب يدى منه دون جدوى ..
العينان مثبتتان على عينيَّ ...الشفتان المشققتان تهتزان هامسة ..
ـــ ارتفع فى الاجواء الاسم الاعظم فراقبوه .....واحذروا ...
احذروا السرداب من تحته قاصدا نقطة الارتكاز ..

ارتسمت الدهشة على ملامحى وسكننى التساؤل ..
ـــ اذا جرى الماء مدرارا انهارا فقد آن الاوان ..
يموت الفداء ويظهر صاحب اللواء ..
احذروا السرداب ...احذروا السرداب ...احذروا السردااااااااااااااااب ..

شهق الشيخ شهقته الاخيرة وقد تراخت قبضته عن معصمى ..
ماشعرت بنفسى الا منطلقا خارج الكوخ مهرولا هاربا لأجد نفسى وسط امواج الظلام تغرقنى دونما بصيص من ضوء ...
صدمنى شىء فوقعت ارضا واذا بالضوء يغمرنى ...ارتجف قلبى وانا انظر اليه ....تمتمت بصوت بالكاد خرج منى ..
أيارب الكون العظيم ....ايعقل هذا حقاً ..

........................تمــــــــــــــــــــــــــــــت ....................