الخميس، 16 مايو 2013

مقهى الست ام همبكة


الخميس 16مايو 2013
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كان قد بلغ منا الاجهاد اقصاه ...قال لى صديقى :
ـــ خلينا نستريح شوية على القهوة دى وبعدين نكمل مشوارنا ..
نظرت الى المقهى الغارق فى شعبيته وقرأت اسمه ضاحكا
نظرت اليه مستفسرا فضحك وقال :
صحيح ...ام همبكة ...هو ده اسمها....معلمة بلدى بعشوائية طاحنة ... شكلها ملخبط شوية وجسمها ضخم ومتناقض ..كأنك جمعت اطرافه واجزاءه من وكالة البلح ..
ابتلعنا ضجيجُ المقهى فور جلوسنا ...هناك شاشة تلفاز كبيرة تعرض احدى قنوات الرقص الشرقى ...بعض جمهور المقهى يتابع الراقصة والباقين فى لغط مستمر...
ـــ يعنى تفتكر مين اللى خطف عساكرنا فى سينا دلوقتى ..
.....بياظة....
ـــ هايكون مين غير اللى قتلوا جنودنا قبل كده فى رفح ..
.....شيش بيش ....
ــــ هو اللهو الخفى ده مش هينكشف بقى ولا ايه ؟؟؟
....دبارة ...
ــــ الموضوع مقصود ياجماعة ...
...دش ....
ـــ ايوه الجيش بتتجر رجله لعمليات هاتفككه وتشتته ..
ـــ وهو الجيش ليه مش منتبه لرجالته وابناءه اصلا ...؟؟
....يك على ابيض ....
ــــ ده كلام اللى مش فاهم حاجة...فيه ايدين خفية عاوزة تهد الجيش..
تصاعد الحوار وصار الكثير يدلون باراءهم الخاصة بين فرقعات اصطدام قطع الدومينو بالموائد الرخامية مع اصوات قطع الطاولة ولاعبيها
انتهى مشهد الراقصة لتطل صاحبة الاعلان المكرر ...
ــ هاحكيلكم حكايتى ....
هب احدهم صائحا ....مشى بنت الجزمة دى هى وحكايتها ...هات يابنى قناة الدلع ...
ضحك البعض وكثرة التعليقات ...
ـــ يظهر كلامها جه على الجرح..
ــــ.....ياعم سيبها تفضفض ....
ــــ من اول ليلة كان تعبان ....هاهاهاهاها
القناة تتغير ...قوة الحصان ...خلاصة زيت الاسد ..
احدهم يصيح مجددا ....
ـــ يادى النيلة ...اعلان تانى ...وزيت الاسد ...؟؟؟
ــ هو بالذمة الاسد بيطلعوا منه زيت ؟؟؟
رد اخرون ضاحكين ..
ــ هو زيت الاسد بس ....عندك قوة الحصان ...
ـــ وتيجر ..تيجر المفاجأة ..
ــ والسيف ..ياما كسب معارك ....
ــ لاااااا .. انت ماشفتش التمساح وقوته..
ـــ وكمان الحاج متولى ...هايخليك تتجوز اربعة
ــ كله كوم وكينج كونج كوم تانى ..
ــــ زى ما يكون فرة وشوطة خدت الرجالة فى البلد ...الاعلانات دى اربعوة وعشرين ساعة شغالة ..
ــــ صحيح ...شكلهم بيعيدوا النوم فى العسل الجزء الثانى ...
قهقهات عالية وسحب من دخان الشيشة تعبىء الجو ...
ــــ لكن موضوع قناة السويس ده مش مريحنى ابداً...
ــــ ياسيدنا ده سيناريو لدولة جوه الدولة ....الحدق يفهم ..
ــــ معنى كده ان احنا بنستعد لاول مراحل التقسيم بقى .
ـــ الاسوء لسه جاى قدام ...تقسيم وبيع واعلانات استقلال وغيره ...كله على ودنه ...
الدخان يشكل ضبابا تتعذر معه الرؤيا للجالسين ..
ـــ الاسوء هو مرحلة الاصطدام ...
ــــ فعلا ...حركات غريبة واسماء اغرب وجماعات اغرب واغرب عمالة تفاجئنا كل ساعة ..دى ضد ده ..ودولم ضد الجيش ..ودولهم ضد الشرطة ..وبعدين .....بوووووووم ...يحصل الانفجار...
....انت بتقرص فى الزهر ياحرامى يانصاب ....
ــــ.استنوا المطحونين والجياع لما يثوروا ..هى دى لحظة الانفجار بجد..
ــــ صحيح والله .. بكرة شكله جاى اسود من قرن الخروب ...والمشاكل اكتر من دود المش ..
نظرت الى صاحبى الذى كان شاردا مع كوب الشاى ومتابعة التلفاز وكأنه لا يشعر ولا يسمع ايا مما حوله ..
التفتُ الى ناحية اخرى لتقع عينى عليه ..كان جالسا فى الركن القريب منى شاهدته يبكى وسط الضجيج المحتشد ...نظر لى فجأة فارخيت بصرى خجلا منه ...قام من مقعده ثم اقترب منى .....رجل كبير جاوز الستين ...ملامحه حزينة وفى عينيه احمرار وشحوب .
قال لى بصوت واهن اخترق قلبى رغم الضجيج ...
ـــ ممكن تدلنى يابنى على محطة الشهدا ...اروحها ازاى ..
تعجبت من سؤاله ...كان المقهى بالقرب من المترو ..قلت له :
احنا هنا فى الملك الصالح ....قاطعنى بوهن ...انت متأكد يابنى ..؟؟؟
تعجبت منه ونظرت اليه مليا ثم اكملت ..:
...اركب المترو من هنا ياوالدى وهى بعد ستة محطات بس ..
ابتسم ابتسامة حزينة.....همس وهو يبتعد ..كأنه يحدث نفسه لا انا ...
ــ من يوم ولادى التلاتة ما ماتوا فى الثورة ...كل المحطات مكتوب اسمها السادات ....
...المترو مابيوصلش يابنى لمحطة الشهدا... مابيوصلش صدقنى ..... ده يمكن اصلا ما بيتحركشى ...
اختفى الرجل تاركا فى قلبى غصة ورعشة داخلية ....
افقت من لحظة شرودى على طنين خلية النحل تلك مجددا.....
الاصوات تختلط معا لتتعالى المشادات بين الكثيرين ..
ـــ الاخوان هم السبب..
ـــ قبلهم وللان الشرطة هى اللى ضد كل حاجة ...مش عاوزة تتصلح ..رافضة تتخلى عن العنجهية والتكبر ...
ـــ ايوة ..لسه لحد النهاردة بنسمع عن زوار الفجر والتعذيب والسحل والقتل كمان ...
ـــ لا ..القضاء هو اللى خلى الامور كلها توصل للى هى فيه ..
ــ بجد ... كل احكامه كانت ضد الثورة ...ولسه نظام التوريث فيه على ودنه....عمرنا ما هنحس بالتطهير والدنيا الجديدة ...كل حاجة هاترجع زى الاول واوحش ....
ـــ لو خسرنا القضاء خسرنا اهم حاجة فى البلد ...افهموا بقى ...
ـــ وهو احنا لسه ماخسرناهوش ..
ـــ لا طبعا ...هما عايزين يحسسونا بكده ..
ــ صح ...نخسر الشرطة ونخسر القضاء كمان ...وتبقى البلد فوضى من كل ناحية ...
ــــ هم مين بالظبط اللى تقصودوهم ؟؟؟
ــ الفلول طبعا ..
ـــ الاخوان اكيد ....الطمع والجشع والانانية
ـــ الامريكان واسرائيل ..
ـــ الاخوان اشرف منك ومن اللى جابوك ..احنا قعدين ساكتين من الصبح على قرفكم ...كانت ساعة زفت اللى فكرنا نشرب فيها كوباية شاى هنا...
ـــ اى حد هايتكلم كلمة تانية مالهاش لازمة هايعرف مقامه كويس ..
ــــ انتوا فاكرين نفسكوا مين ..؟؟؟
ـــ انتوا عايزينها حرب اهلية وجماعات مسلحة ..
ــــ اخرس يا كلب منك ليه ...الاغبيا اللى زيكم ما يتكلموش ...
ــــ ياجماعة وحدوا الله ....السر كله فى عصابة رجال الاعمال اللى كانت ناهبة البلد ..
ــــ ولما هما عصابة بيتصالحوا معاهم ليه دلوقت ..؟؟ اخص على اللى بيبيعوا الدم بالفلوس .وعدونا بالقصاص ...طلعت وعودهم شخبظة بقلم رصاص ...
ـــ يا اخى اتنيل منك ليه .. صدعتوا دماغنا ...اسكوتوا شوية ..
ـــ وانت مال اهلك يبتاع الرقصات انت ...خليك فى غيبوبتك احسن
ـــ احسن من وجع الدماغ اللى نفختونا بيه ياللى وقفتوا حالنا وحال البلد
ما كل واحد فى البلد دى بقى بيرقص بطريقته ...جت على الرقصات ووقفت ...
ــ كفاية ...قرفتونا وخليتوا الناس تكره كلمة ثورة من المرار اللى عايشين فيه من كل حتة ..
ـــ اصلك غبى ومابتفهمش حاجة ..
ـــ انت اللى غبى وابن ....
انطلقت الفاظ السباب من كل صوب وحدب...وقفت انا وصاحبى فى حذر حيث بدأت المقاعد ترتفع فى الايادى وعاصفة الالتحام والاشتباك توشك على تحطيم المقهى بما فيه ..
ــــ اخرسووووووووووووووووووووا ....
انطلق الصوت الجهورى يدوى كهزيم الرعد ...صمت الجميع على اثر الصيحة الرهيبة ...اتجهت الانظار الى ركن المقهى الداخلى حيث خرجت سيدة ضخمة شكلها عجيب فى تكوينه ...صاح صاحبى...ام همبكة ..!!!
تقدمت بضعة خطوات تتفرس فى الوجوه ...
الجميع صامت يرقبها ...وقفت بمنتصف المقهى قائلة بصوت غليظ فظ ..
ـــ آه يا قهوة مافيهاش رااااااجل ....شخطة تسكتكوا ...وماطش كرة يجمعكوا ...
علشان كده مانتوش نافعين غير فى الكلام والرغى...والله مانتوا نافعين ابداً...
حملق الجميع فى وجوه بعضهم البعض دون ان يلفظ احد بحرف ..

......................... تمــــــــــــــــــــــــــــت ........................

السبت، 4 مايو 2013

الوداااااااااااااااااع ..!

السبت 4 مايو 2013
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 ا
 
 

بودعك ....وبودع الدنيا معك

اغرورقت عيناها بالدموع ..الرؤية صارت ضبابا امامها ...الشارع المزدحم بانطلاقات السيارات واصوات آلات التنبيه المحمومة ...
وكذا حركة المارة على الرصيف كل هذا لا ترى او تسمع منه شيئا
تمضى فى طريقها سيرا ..
تركت سيارتها اسفل منزله...لن يكون من الجيد ان تقود وهى بهذه الحالة
كانت ليلة زفافهما بعد عشرة ايام فقط ...يالتعاستها ..!!!
ـــ هل من المفترض ان اصدق هذا الهراء...؟؟
قال ذلك بسخرية وهو يوليها ظهره متنكرا لها ..
انهارت قسماتها الجريحة وقالت وهى تستجمع قوتها :
ـــ لكنه الحقيقة ...الحقيقة التى ذبحتنى ....لقد اتيت لتوى من عيادة الطبيب ...ارجوك ...كون معى ....ولا تعجل انت بموتى الان ..
التفت اليها ...عيناه حادتان ..غاضبتان ..
مدت اليه يدها ترتعش اناملها ...ازاحها بيده قائلا :
ـــ ارجوك لا تبكى امامى ....لن يجدى هذا ...لقد قبلت الارتباط بك رغم مايقال عنكِ وعن علاقاتك السابقة ...صدقتُ همسك لى انك هجرت العالم كله من اجلى ..والان ...
قاطعته بصوت مشروخ متهدج :
لكنك اقتنعت ...اقتنعت اننى ما اخطأت يوما .....فهل كل مطلقة يحوم حولها الرجال تكون .......قاطعها هو بحدة :
ــ يبدو اننى كنت مخطئا ...وهاك النهاية ...
صمتت تنظر اليه غير مصدقة ما تسمعه ...
لكنه اقترب من باب الشقة فاتحا اياه...نظر اليها طويلا ثم قال :
ــ سوف اغادر هنا نهائيا من باكر ...
خفق قلبها خفقة رهيبة كأنها اخر دقاته فى الحياة ...انه يلفظها من حياته كلها وليس من شقته فقط ...
انسحبت وهى تحمل اوراقها الطبية وأصوات عديدة تختلط عليها تكاد تفجر أذنيها ...
صورته المهتزة من خلال دموعها تغيب كأنها تتلاشى ..
همست وهى تتجاوزه ....لن ألومك ..


جرحتنى... قتلتنى...... وغفرت لك قسوتك
بودعك ......من غير سلام ولا ملام
ولا كلمه مني تجرحك......... أنا اجرحك ؟؟؟؟

ضجيج الشارع الصارخ يصم اذنيها فجأة ..
تتصارع مع الاصوات الرهيبة اصوات داخلها ..
هل اخطأت منذ البداية ان اخفيت عنه الامر ؟؟
هل له عذره فى عدم تصديق ماقالته ؟؟

صوت الطبيب يخبرها
التحاليل تثبت اصابتها بفيروس فقدان المناعة المكتسبة وها هى فى مرحلة ثانية من الاصابة
الابشع انه انتقل اليها نتيجة علاج الاسنان !!!!!

كل شىء صار غائما امامها ...السيارات يتعالى ضجيجها مرة واحدة ثم يصمت مرة واحدة
تعالت دقات قلبها ...ارتعشت اصابعها ...تنفسها يتزايد ...تبدو كمن توشك على امر جلل..
صوت من خلفها ...
تلفتت ....يتجاوزها المارة ويحتك بها االبعض لوقوفها وسط الرصيف المزدحم ....
صوت اخر يناديها ......انحرفت عن الرصيف ...
.ترى شبحا بلا ملامح قادما اليها.....اسرعت الخطو وضربات قلبها تدق فى اذنيها ...
مشاهد الاهل والاقارب والاصدقاء تتوالى ....همسات خفية واصابع تشير اليها ..
الكلمات تصل الى مسامعها كدوى النحل ....تهز رأسها وتزداد تقدما .....توقفت فجأة ...تراه وقد انشقت عنه غيوم الطريق ....فاتحا ذراعيه لها ..يناديها.. صوته يتعالى ...
ـــ تعالى معى ...تعالى هنا ...

بسم الآلام ..... ارحل قوام ..... حبي الكبير
هيحرسك فى سكتك.....
الله معك ..
بودعك ....وبودع الدنيا معك

تعالت الصرخات عالية..

ـــــ.................... تمـــــــــــــــــــــــــــت ......................ـــ