كنت في كربلاء
ــــــــــــــــــ
قصة بقلمى / علاء الدين هدهد
..
نعم كنت هناك
عندما انبلج صباح العاشر من محرم على صخب تلك الأصوات المتجمهرة وتعاليها بالصياح تارة وبالتكبير تارة وبترديد اسم يزيد خليفة المسلمين تارات أخرى .
كنت واقفا اراه وقد اشتد به العطش الشديد فرفع كفيه يدعو الله بكل خشوع وإذا بى أرى المسيح عيسى بن مريم بين السحب في هالات من نور يردد ..
يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّه هذِهِ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِه بَلْ إِرَادَتُكَ .
كنت أراه وقد جلس امام خيمته فغفت عيناه لحظات فأتته اخته زينب فإنتبه ناظرا إليها وفى عينيه فيض من مشاعر مختلفة وقال لها بصوت واهن أن رسول الله اتاه فأخبره أنه راحل إليه ..!!
نعم يا بن فاطمة الزهراء يابن علي
نعم يا بن رسول الله يا حسين
...انه الموت يرفرف بأجنحته السوداء في كبد السماء
.. جف الفم الطاهر عطشاً فإلتصق اللسان بسقفه .. فحتى مجرد شربة الماء قد منعوه وكل أهل بيته إياها نكاية بهم واذلالاً لهم .
كنت أراه وهو يلقى ببصره على كل تلك الألاف المتجمعة بعتادها وسيوفها ورماحها تطلب قتله .
ثم ينظر خلفه ليرى ابناءه وإخوته وأبناء أخيه وأهل بيته واتباعه وكأننى به يتأسف لعدم اجابتهم مطلبه لهم بالرحيل وتركه ليواجه مصيره وحده .
* نحن فداك يا حسين * قالوها جميعاً
وكيف لا يكونون فداك وانت فلذة كبد رسول الله وقد رأك والحسن سيدا شباب اهل الجنة ؟؟
وكيف لا نكون كلنا فداك وانت الأثر الباقى من ذلك النسل النبوى الشريف ..
كنت أراه وقد تقلد سيفه وجهز اتباعه ووزع جنده وحصن بالنار وراء خيامه استعداداً للقتال ..
واذا بصوت شمر بن ذي الجوشن يرتفع صائحا
يا حسين ... استعجلت النار في الدنيا قبل الأخرة فهى لك في الدارين
صحتُ عليه غاضباً
بل قُبحت ولُعنت في الدارين أنت ومن معك .. النار لك لا له
..
هاجت الأصوات وهمهمت وزمجرت وارتفعت اسنة الرماح والسيوف وانطلقت من اقواسها السهام كزخات المطر ترشق اتباع الحسين
صوت حسين يعلو في الأفق
ويحكم !! انظروا من أنا ... هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي ألست ابن بنت نبيكم وابن وصيه ؟؟
وكنت هناك اسمعهم
اقتلوا الكذاب ابن الكذاب ..
واسمع صوتاً من بينهم ينفجر فيهم
ويلكم !!! نحن قاتلنا مع علي ومع ابنه من بعده آل ابي سفيان والأن نعدوا على ابنه وهو خير أهل الأرض نقاتله من اجل آل معاوية وابن سمية الزانية ... ويلكم !!
ثم تصيح أصوات فتتداخل لتغطى على صوت المنادى ... نفذوا امر واليكم عبيد الله وامر امير المؤمنين يزيد بن معاوية
اقتلوا الحسين واذبحوه وجردوه وقطعوا جسده قطعا
اشتد القتال ووقع الكثيرون من اتباع الحسين قتلى
كنت هناك .. نعم أرى وأسمع
شمر ينادى على جنوده هدوا عليهم خيامهم ... لا بل احرقوها ..
ثم انطلق كما الشيطان تجاه خيمة الحسين يحاول تقويضها وصاح برجاله ... النار النار حتى احرق هذا البيت على اهله وكل من فيه .
كنت هناك ارتعد غضباً وسخطاً
وأنا أرى التمثيل بجثث من يسقط من اتباع الحسين وأرى الرؤوس تنحر من اعناقها فتعلق في اعناق الجياد
سقط الحسينيون تباعاً فداءً للحسين
وانتصف النهار فتزاحم أبناء الحسين واخوته على التقدم للقتال فخرج ابنه على ليواجه جحافل الهوجاء الطغاة
صحت عليهم ..
ويلكم ويلكم
هذا غلام الحسين اشبه الناس خُلقاً وخَلقاً برسول الله .. اياكم وقتله ... اياكم وقتله
قاتل الغلام قتالاً شديداً، ثم عاد إلى الحسين منهك القوى لاهث الأنفاس .. توقف امام الحسين وقد انزل درعه عن ذراعه وهو يقول بوهن وضعف يا ابت .. العطش قد قتلني، وثقل هذا الحديد قد اجهدني .
بكى الحسين ... جرت دموعه الطاهرة فبلت لحيته وهو ينظر الى ابنه عاجزا ثم ينظر الى السماء فيعلو صوته باكيا راجيا ... واغوثاه... يا الله.. اين لي بالماء...
ثم توجه لأبنه رابتاً على كتفه مشجعاً له وقال : قاتل يا بني قليلا، واصبر على مر كأس كتبت علينا فما اسرع الملتقى بجدك محمد فيسقيك من يده شربة احلى من الشهد ..
رأيته ينطلق مجدداً وسرعان ما رماه احدهم بسهم اخترق حلقه فسقط ثم هجموا عليه فنحروا رأسه وهم يكبرون .
انفجرت سحابتان من نور وإذا أنا بعلى بن ابى طالب وفاطمة الزهراء قد اقبلا يحتضنان على بن الحسين ففاضت روحه الشريفة الى حضنهما وهما ينظران الى الجمع ثم ينظران الى الحسين دامعين .
وسرعان ما توالت أرواح الشهداء ترتقى لتلتقى في أحضان على وفاطمة فيهدهدانهم ويبشرانهم بالخير
فهاهو العباس وجعفر وعبدالله ومحمد وأبو بكر وعثمان وغيرهم الكثير والكثير حتى ضجت الأرض من دمائهم الطاهرة وكأنها تصرخ أن لا قبل لى بضم هذه الدماء الزكية ابدا
نحرت رؤوس الشهداء لينغرس في كل منها رمح طويل ثم رفعت فوق الرماح يتباهى بها جنود يزيد .
توالت منايا الأبناء والاخوة على فؤاد الحسين كما الطعنات تمزقه وتقطعه ارباً واصوات البكاء والنحيب من السيدة زينب ومن معها تقتلع ما بقى من روحه فإنطلق كما السهم يريد اللحاق بركب تلك الأرواح الطاهرة فطاح بسيفه يميناً ويساراً والفرسان يفرون من امامه خوفاً وهلعاً حتى صاح فيهم شمر بصوت منكر صريخ .
ويحكم ماذا تنتظرون ؟ اقتلوه ثكلتكم امهاتكم .
فحملوا عليه من كل جانب، فضربت كفه اليسرى ضربة وضرب على عاتقه، ورمى بسهم اصاب نحره ثم انصرفوا عنه وهو يقوم ويكبو، فهجم عليه في تلك الحال احدهم فطعنه بالرمح فوقع، ثم قال لأخر احتز رأسه .... تقدم الرجل من الحسين والدماء تغطى صدره وتنساب نازفة من أكثر من موضع فيه
امسك سيفه ونظر الى وجه الحسين واذا بصوت جهورى رهيب يملأ مابين السماء والأرض يصيح ... أنا من حسين وحسين منى ..ارتجف الرجل وأرعد وصاح لا ... لا افعل ... لا افعل ... هذا وجه رسول الله ... فصاح فيه شمر .. فت الله عضديك وأبان يديك، انك تهزى يارجل ... فنزل عن جواده الي الحسين فنظر الى وجهه وزم شفتيه وعصب مابين حاجبية وضغط اسنانه كإنما يستمد القوة من داخله فأهوى بسيفه على عنق الحسين فذبحه واحتز رأسه فرفعها في يده عالياً وهو يهمهم ..
انطلقت الرجال الى جسد الحسين تنزع عنه ثيابه فيتخطفونها حتى تعرى متسربلاً بدمائه فأقدم غيرهم على جثمانه يدوسونه بالخيول حتى هتكوا اعضائه ومزقوه شر ممزق
انطلق صوت زينب صارخاً ناحباً كما خنجر يشق الفراغ حتى ابواب السماء :
يا محمداه، يا محمداه، صلى عليك ملائكة السماء، هذا الحسين بالعرا، مرمل بالدماء، مقطع الاعضاء، يا محمداه وبناتك سبايا، وذريتك مقتلة منحورة الرؤوس والأعضاء ...
استحال النهار عتمة وقد سادت الظلمة صفحة السماء..
لم أعد أرى نور علي ولا فاطمة بين السحب
اسودت الرؤى تماما كإنما حل الظلام على سطح الأرض
ثم دارت الأرض لتنكشف عن بؤرة ضوء رأيت فيها ركباً من نساء الحسين ومن بقين من اهل بيت النبى مقيدات ومقادات اسيرات في ذلة وانكسار
دارت الرؤى ثانياً
فهذا يزيد وقد وضعت امامه رأس الحسين وهو يضرب فيها بقضيب من حديد بمقت وغيظ
ثم دارت الرؤى مجدداً
فهذا رجل يسأل مشايخه
ماذا تقولون في يزيد بن معاوية ؟ فيردون إن مذهبنا ألا نحبه ولكن لا نسبه
!!!!!!!!!!!!!!!
وهذا مشهد آخر لأناس فرحين مهللين يأكلون الحلوى ويقولون هذا يوم العاشر من محرم نحتفل به لأن الله نجا فيه موسى من فرعون !!!!!!
تمت
ـــــــــــ
بقلمى / علاء الدين هدهد