الخميس، 18 أبريل 2013

القهــــــــــر ..

الخميس 18 ابريل 2013
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
 

دخلت الحجرة مهرولة متسارعة الانفاس شاهقة الصوت...اغلقت الباب وراءها وظلت واقفة خلفه كأنها تحكم اغلاقه اكثر..
قلبها يدق عنيفاًً....هالات زرقاء وحمراء تحيط بعينها اليمنى واثار صفعات على وجنتيها واضحة كأختام الذبائح......من خلال دموعها نظرت طفلها الذى لم يبلغ العامين نائماً على الفراش ساكناً..

انهالت ضربات قبضتيه من خلف الباب بقوة وعنف وسرعان ما اشتدت وتيرتها عالية ..
ازداد التصاقها بالباب كدرع له يساعده على تحمل الاعتداءات المتتالية عليه....انتبه الرضيع على الجلبة الشديدة ...هب فزعا يصرخ ..
نظرت اليه من خلال غيمة الدموع فى عينيها ...ما..ماااااا..
لم تتمالك نفسها امام بكاءه ونداءه عليها ...جرت اليه لتحتضنه وتضمه الى صدرها...الطرقات العنيفة تنهال على الباب مع صياحه الغليظ و ألفاظ سبابه التى لم تنقطع ..

ضمت الرضيع اكثر الى صدرها تهدهده وألقمته ثديها ليكف عن البكاء
...شهقت برعب عندما انصفق الباب مفتوحا عنوة تحت ثقل الجسد الضخم الذى انقض مصطدما به ..
عيناها ترقبه فى ذهول ورعب ...احتضنت الرضيع المفزوع بساعدها ويدها و مدت يدها الاخرى كمن تتقى بها شرور الدنيا مجتمعة ..
آنات بكاءها المكتومة وهزات راسها العاجزة ترجوه متوسلة ذليلة .. وبصوت مختنق خرج منها مذبوحا قالت...بلاش هنا ...بلاش ..ارجوك..
علشان الولد ...

لم يعبىء بتوسلها الواهن العاجز ...تقدم منها فظاً منكراً وهو يخلع عنه قميصه ...اقترب من الفراش فانكمشت هى الى ركنه متكورة باكية والرضيع فى حضنها.. ..صعد بركبتيه على الفراش ومد يده فامسك بساقها يجذبها اليه بعنف ..
انفاسه المخمورة الكريهة تلفح جسدها كخوار الثيران ...مد يده الي صدرها فمدت يدها تحاول دفعها مع توسلات منها ..اطاح بيدها باعدا اياها بقسوة...وبيده الاخرى امسك الرضيع منها يجذبه عن ثديها ..انطلقت صراخات الطفل وهى تحاول ان تمنعه عنه ...جذبه بعنف اكثر ..تشبثت به ...واذا بقبضته الغبية الجهولة تصدم وجهها بقوة فسقطت براسها الى الوراء صارخة من الألم ...ازاح الرضيع بعيدا وهو ينكب عليها لاطماً اياها على وجهها مع هذيان السكارى المتناثر منه ...
حقى ...حقى يا فاجرة ...هاتمنعينى عن حقى ولا أيه ...؟؟

صرخات الطفل تتعالى ... اخذ يضغط بكل جسده عليها ..الدموع تئن جارية على خديها ...يداه تنقبض فى توحش كمخالب حيوان شرس فتلتهم منها ما تقع عليه ...تنسحب اصابعها كزحفة المحتضرة لتتلمس تلك السلسلة التى لم تفارقها منذ سنوات حول عنقها ...تقبض على القلب الصغير المعلق بها ...الطفل يحبو اليها باكيا ... ترمقه بطرف عينها مع دمعة كبيرة انحدرت منها ..
يقف على ركبتيه حول جسدها المشلول ...ينزع حزام بنطاله ليطويه كما سوطا فى يده ...الانفاس السوداء منه كما زفرات القبر تنقض على وجهها ..اسنانه تنهش منها الحياة...اصابعها تتحسس القلب الصغير وتقبض باخر رمق فيها عليه .... تغمض عينيها فى استسلام للقهر اليومى فتموت مع استسلامها عذرية مشاعرها ....
ومازال صوت الرضيع يصرخ ...ماااا ..ماااااا...

ـــــــــــــــــــــــ .... تمـــــــــــــــــــــــــــت ......ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجمعة، 5 أبريل 2013

يا مرسال المراسيل

الجمعة 5 ابريل 2013



يا مرسال المراسيل عالضيعة القريبي

خدلي بدربك هالمنديل و اعطيه لحبيبي

(...لو تعرف كم اشتاقك يا فجرا ما عدت ارى الدنيا الى فى عينيه...لو تدرى كم تذبحنى اشواقى وانا انتظرك كل يوم لتمر بى فى طريقك ...اشاهدك لحظات دون ان تعرف ولا تشعر ...)

ربما كانت هذه هى الرسالة الالف التى تكتبها يوميا ...تسكب فيها عبراتها وانين اشواقها قبل الكلمات والحروف ..
وما من رسالة الا ووضعت بداخلها شيئا بسيطا كخصلة من شعرها ..او رسمة رقيقة وتظليل لملامح وجهه كما تعيش فى ذاكرتها ..او منديل من حرير معطر يخصها ..

عالداير طرزتو شوي إيدي و الأسوارة
حيكتلو أسمو عليه بخيطان السنارة
بخيطان الزرق و حمر و غناني الصبيان السمر
كتبتلو قصة عمر بدموعي لكتيبي
خدلي بدربك هالمنديل و اعطيه لحبيبي

وفى كل صباح تتوجه من منزلها الى مكتب البريد القريب ..تستند على عكازيها تجاهد وتجالد المشقة فى سحب قدميها المشلولتين حتى تصل الى هدفها..
اسم المرسل / وهمى من نبض الخيال..., والعنوان ايضا اكثر وهما ..
اما المرسل اليه فهو من ملك عليها الحياة والوجدان والقلب ..

كانت ترسل كل يوم رسالتين وتعود ادراجها فى رحلتها الشاقة الى بيتها
..تقبع دوما بجوار نافذة حجرتها المطلة على الطريق بالطابق الارضى ... من هنا يمر كل صباح بسيارته .. تراه سعيدة به وكذلك عند عودته ظهرا او خروجه مجددا مساءا ...
وامام النافذة ايضا كانت تقبع دائما ...
تنتظر دوما قدوم ساعى البريد الى الشارع لتراه متجها الى بيته حاملا الرسالة ...

بيتو باخر البيوت قدامو علية

بتوصل عالبيت و بتفوت و بتسلم الهدية

كم تخيلت مشهده لحظة وقوف ساعى البريد امامه بالرسالة ..كم تخيلت حوارهما وكلامهما ..

و لو عنا قال و كتر قلو خليه يتذكر

ع هالمنديل الأصفر ببعتلو مكاتيبي

خدلي بدربك هالمنديل و اعطيه لحبيبي

وتنتظره مجددا عندما يأتى الى نافذتها فيبتسم محييا اياها ويقول لها ... جواب جديد ليك ..

تسعد وتفرح به وهى تفتحه بسرعة وقلبها يدق نشوانا ..


بتجيبلي منو تذكار شي ورقة و شي صورة ..
عالورقة يكتب أشعار و أسمو على الصورة

(...ساكنة قلبى ونبضاتى وانفاسى ...كم اعشقك وكم اشتاق اليك ِ ..)

تضم الرسالة الى فمها تقبلها مغمضة العينين ودموعها تنساب رقيقة تزحف على خديها ...
تضع الرسالة برقة الى جوار سابقاتها فى صندوق صغير ثم تتحسس ركبتيها ويشرد بها الخيال فى الف متاهة ..

و لما بتبكي المواويل يسأل عن أهل المنديل


صباح جديد وقد عادت لتوها من مكتب البريد متعبة مجهدة من جراء المشقة ...
هى والانتظار من خلال نافذة عمرها التى ترقب منها الحياة وحيدة فى شقتها مع امها يتقاسمان احزان الحياة ...
ما من جمال لديها كجمال صوت نفير سيارته عندما يصل الى سمعها مرة فى الصباح واخريات متفرقات كلما غادر الشارع او عاد اليه ...كأنه اعذب لحن تسمعه ..

كانت بعد الظهيرة وقد اتى ساعى البريد فرحا مبتسما ينقر بطرف قلمه شباك النافذة ..
ابتسمت فى وجهه كعادتها ...
قال لها ..ليك اليوم جوابين اتنين مش واحد ..
انتبهت للجملة ..تغيرت ملامحها دهشة وتعجب ..تلقت منه الخطابين بلهفة وسرعة ..القت على غلاف احدهما نظرة خاطفة ثم نحته جانبا فى غير اكتراث ..امسكت الثانى ...دققت النظر الى اسم المرسل ..
ياااااا ربناااا ..!!!
ده اسمه هو فعلا ..!!
والمرسل اليه ....اسمها مظبوط ...
رجف قلبها رجفا وارتعدت اصابعها ..تزايد نبضها وهى تحاول ان تفتح مظروف الرسالة ........رعشة اصابعها وتسارع تنفسها كادا يوقعان الرسالة منها ...فتحتها وهى تبتلع ريقها وعيناها تتلهف لتطالع محتواها ..

(...عرفت انك من ترسل ارق الرسائل اليّ ...راقبت مكتب البريد وتعرفت على ارق انسانة ...راقبتك مرارا فى رحلتك الصباحية..
الان استطيع القول لك اننى احبك ...سأتى اليك فانتظرينى..........)

شهقت شهقة وماتمالكت نفسها من البكاء وهى تنهال على الرسالة بقبلاتها
خنقتها الدموع ..لا تكاد تصدق انها تعيش واقعا لا حلما من احلامها ...انها رسالته اليها بين يديها الان ...تعيد قراءتها مرات ومرات ...وتعيد غمرها بالقبلات اكثر واكثر ...وبينما توقفت لحظات لموجة من التساؤلات عنت لها اذا بنقرات لطيفة على شباك النافذة من خلفها ...

يا مرسال المراسيل و سلم عا حبيبي

خدلي بدربك هالمنديل و اعطيه لحبيبي


ـــــــــــــــــــــــــــــ تمــــــــــــــــــــــــــــــــــت    
ـ   ـــــــــــــــــــ